كما قال رحمه الله"أما شارب الخمر فيجب باتفاق الأئمة أن يجلد الحد إذا ثبت عليه، وحده أربعون جلدة، أو ثمانون جلدة، فإن جلده ثمانين جاز باتفاق الأئمة وإن اقتصر على الأربعين ففي الأجزاء نزاع مشهور.
فمذهب أبي حنيفة وأحمد الروايتين أنه يجب الثمانون ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه أن الأربعين الثانية تعزير يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام فإن احتاج إلى ذلك لكثرة الشرب أو إصرار الشارب ونحو ذلك فعل، وقد كان عمر ابن الخطاب يعزر بأكثر من ذلك، كما روى عنه أنه كان ينفى الشارب عن بلده ويمثل بحلق رأسه ثم قال:"وقد روى من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شربها فاجلدوه، ثم إن شربها فاجلدوه ثم إن شربها الثالثة أو الرابعة فاقتلوه"فأمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة، وأكثر العلماء لا يوجبون القتل، بل يجعلون هذا الحديث منسوخاً، وهو المشهور من مذاهب الأئمة، وطائفة يقولون، إذا لم ينتهوا عن الشرب إلا بالقتل جاز ذلك، كما في حديث آخر في السنن أنه نهاهم عن أنواع من الأشربة قال: "فإن لم يدعوا ذلك فاقتلوهم"والحق ما تقدم، وقد ثبت في الصحيح أن رجلا كان يدعى حمارا، وكان يشرب الخمر فكان كلما شرب جلده النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"، وهذا يقتضي أنه جلد مع كثرة شربه [79] .
أما المخدرات فقد ذهب فريق من الفقهاء إلى أنه لم يرد في تناولها حد مقرر، وكل ما كان كذلك وجب فيه التعزير فقط ولعل حجتهم في ذلك أن الحد في المائع المطرب، أما المأكول الذي لا تتحققق فيه خاصية الطرب فلا [80] .