ومن ثم فإن اعتداء الإنسان عليه لتعطيله ووقف عمله، يُعدُّ جريمة يرتكبها الإنسان على بعض نفسه، وعلى إحدى كلياته وهو العقل، دون أن يجْرم هذا العقل في حق صاحبه شيئا، وعلى ذلك يستحق هذا المعتدي أن يعاقب تأديباً له على إجرامه. وحين ننظر إلى المسكرات والمخدرات التي يتعاطاها الإنسان نجد أنها من صور الاعتداء البشعة على عقله، لأنها تخامره وتخالطه، فتذهب وعيه، وتبدد إدراكه، ويصبح صاحبه المعتدي على نفسه، كالحيوان أو أضل، لا يفرق بين الخير والشر، لأن أداة التفريق قد أفسدت وعطلت، وانعدمت فيها قدرة التمييز.
والسكر بالخمر يخامر العقل، ويتخلل جوانبه، فيفسده، والتخدير بالمخدر يشل العقل، ويوقف عمله.
فهل لعاقل أن يقدم _ باختياره _ على تعطيل آلة غاية في الدقة وهي عقله تسجل له الماضي تسجيلاً دقيقا، وتساير له الحاضر مسايرة منتظمة، وتتصور له المستقبل تصوراً معقولا؟ هل لعاقل أن يفسد مثل هذه الآلة في روعة دقتها؟ وقد فطرها على هذا الإبداع الفريد الخلاق العظيم؟
إن الذي يقدم على إفساد عقله يدل بفعله هذا على أنه مستغن عن عقله، وليس في حاجة إليه، وأنه يريد أن يكون هكذا بدون عقل كالحيوان الذي لا يميز، أو كالجماد الذي لا يدرك مما حوله شيئا.