والآية الثانية: هي قوله تعالى: {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (الشعراء الآية 28) ومعنى (إن كنتم تعقلون) هنا: أي إن كان عندكم عقول لأدركتم أن شروق الشمس وغروبها في المغرب _ وهو أمر يبصره العاقل والجاهل _ أمر لا يقدر عليه إلا الله رب العالمين [12] .
* وجاءت الإشارة إلى العقل بصيغة (عقلوه) مرة واحدة [13] في قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة آية 75) والمراد أن اليهود غيروا آيات التوراة بالتبديل والتأويل بعد أن عقلوها أي بعد أن أدركوها بعقولهم أي فهموها وعرفوها [14] .
* وجاءت الإشارة إلى العقل بصيغة (يعقلها) مرة واحدة [15] في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت آية 43) ، والمراد أن الأمثال التي يبينها الله للناس في القرآن الكريم لتقريبها إلى أذهانهم لا يدركها ولا يفهمها إلا العالمون الراسخون الذين يعقلون عن الله عز وجل مراده [16] .
* أقول: هذه لمحة موجزة عن الآيات التي وردت فيها الإشارة إلى العقل في القرآن الكريم. وإذا كانت الإشارة إلى العقل قد تكررت بهذا العدد الوفير، فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على الأهمية العظمى للعقل لأنه مناط الإدراك في الإنسان، ومحل التكاليف الشرعية التي كلفه الله تعالى بها.
وإذا كان العقل بهذه المثابة، وله هذه المكانة، وهذه الأهمية، فقد أمر الشارع بالمحافظة عليه ضمن الكليات الخمس (الدين _ والنفس _ والعقل _ والمال _ والنسل) التي بحفظها يجمع الخير لحياة الإنسان.