وفي هذا الوقت- وقت أداء صلاة العصر وزيارة الحبيب وصاحبيه أخذت أجول بخاطري في نشوء الدعوة إلى الله في مكة وما ناله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من أذى في سبيلها، كما تذكرت تلك القوافل المؤمنة التي تركت البلد والأهل والمال وهاجرت بدينها راضية إلى هذا البلد الحبيب- المدينة المنورة- بعد أن هدى الله طليعة الأنصار لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام والجهاد في سبيل الله وتذكرت تلك الليلة التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى الغار للاختفاء من جند الشيطان ثم الهجرة الشريفة إلى طيبة الطيبة التي كون بها صلى الله عليه وسلم من قاعدته الصلبة التي رباها في مكة على التوحيد والطاعة الكاملة لله ولرسوله وعلى الصبر والتحمل ومن أنصار الله ورسوله بالمدينة، كون صلى الله عليه وسلم ذلك الإخاء الفريد في حياة البشرية. وأخذت أسرح الطرف في هذا المسجد العظيم فتصورت مشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينقل الطين والحجارة وجريد النخل مع أصحابه ويبني بيده الشريفة مهوى لأفئدة أصحابه يعبدون الله فيه ويتعلمون دين الله من وحيه الذي كان ينزل به جبريل طريا صباح مساء، ويطبقون ما تعلموه عملا ودعوة.. وأخذت الأسر تتتابع في ذهني لتأسيس أول دولة إسلامية عالمية على وجه الأرض في هذه البقعة وكأني أشاهد تلك السرايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثها للاستطلاع والاحتكاك بجند الشيطان تمهيدا لعقد الألوية وبعث الكتائب الجهادية في أنحاء الجزيرة العربية، وتلك الغزوات التي شارك فيها رسوله الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فانتصر فيها على أعدائه، وابتلي وأصيب بما أصيب به بسبب بعض المعاصي الدائرة من بعض أصحابه. وعرضت لي تلك الشعور الرائعة: وفود الناس الداخلين في دين الله أفواجا، واليهود الذين حدث لهم الأخاديد وقتلوا ودفنوا فيها جزاء غدرهم وكيدهم, وزملاؤهم الذين حزموا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015