إن الباحث حينما ينظر في هذه الدعاوى يجد أن الدافع إلى هجر هذه التراكيب هو سيطرة الصنعة اللفظية على الكتابة منذ عهود القاضي الفاضل والحريري، بما فيها من إيثار للشكل وغرام بتزويق الألفاظ دونما احتفال بما تحتها من معانٍ. ولكن ما يمكن أن يكون متبعا للقديم، في عصر من العصور، لا ينبغي أن يكون سببا في الإزراء بكل ما خلفته جميع العصور من هذا اللون الأدبي. فليست العصور النثر الفني متصفة بأسرها بهذه الصفة. فلنبحث عن نثر فني ظهر في جيل وكان كبير التأثير في الناس، في عصره ولم يزل ذا تأثير مماثل إلى أيامنا هذه. وأول ما يخطر في البال في هذا الصدد الأسلوب القرآني المعجز الذي تكفل الله -جل وعلا- بحفظه مادامت السموات والأرض. ثم أتت من بعد ذلك عهود على النثر الفني كان رفيع القدر عالي التأثير في آثار كتاب العصر العباسي الأول الكثيرين. أفهل كان نثر الجاحظ والتوحيدي وابن العميد مطلقا من القوالب اللفظية؟ ولماذا جهد ابن السكيت والهمذاني وقدامة بن جعفر في التأليف في هذه القوالب وتدوينها وجمعها في أسر ومجموعات؟ ألم يقدم هؤلاء للغة والأمة والتراث خدمات جليلة فيما كانوا يرمون إليه من أهداف تعليمية يتمنون أن ينشأ عليها شداة الأدب في عصر تشعبت فيه آثار الشعوبية وفشا فيه أثر اللحن. ثم إن كان هذا يصدق في العصر العباسي الأول أفلا يصدق على أبناء العربية اليوم؟ في زمن أصبحت اللغة العربية تزاحمها اللهجات المحلية والعامية والركاكة والأساليب المستهجنة؟.

إن الحفاظ على اللغة بما فيها من تراكيب ودلالات يقع على عاتق أبنائها. فهي من مسئوليتهم القومية والدينية والحضارية قبل أن تكون تراكيب وقوالب، فإذا شاءوا أن يقفوا وراء هذه اللغة أبقوا فيها الحياة. أليس المعوّل عليه في هذه التعابير هو أن تعيش في أنفس قائليها كما قال أحد الباحثين؟ [48] .

الاشتقاق:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015