إذا كان الإيمان يثمر الإسلام فإن الإسلام يثمر الرفعة وعلو الشأن, إن زيداً لما أسلم لله، وتخلى عن أحب شيء إليه وأعزه عنده وهو نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان يدعى زيد بن محمد فأصبح يدعى زيد بن حارثة الكلبي, أثمر له إسلامه لله تعالى وانقياده له عزّاً ورفعة لم يظفر بهما سواه فخلد الله ذكره. فاسم زيد الذي هو علم عليه يقرأ في كتاب الله الليل والنهار من ملايين المسلمين وذلك الدهر كله, ولم يكن ذلك لأحد من المسلمين إلا لزيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه ...
وإن زينب بنت جحش رضي الله عنها قد أثمر لها إسلامها رفعة لا تسامى وشرفا لا يرام، فقد تنازلت عن كرامتها وشرفها لله تعالى فعوضها الله أعظم منهما فأصبحت بعد زواجها من زيد المولى زوجاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأُماً لكل المؤمنين وزاد في شرفها وعلو قدرها ورفعة مكانتها أن تولى لله تعالى عقد نكاحها, فكانت تفخر بهذا الشرف على نساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول:"ما منكن امرأة إلا وتولى وليها عقد نكاحها، إلا أنا فقد تولى الله تعالى عقد نكاحي من فوق سبع سماوات". وتقريراً لهذه الحقيقة نورد حديث أبي هريرة عند مسلم وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوِ إلا عزاً, وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله ".
ما في الآية من مسائل:
(1) المسألة الأصولية المعروفة وهي: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إذ سبب نزول الآية كان امتناع زينب من الزواج بزيد، ولكن حكمها عام في كل مؤمن ومؤمنة كما دلت عليه الصيغة الكلامية.
(2) وجوب الستر على المؤمن وعدم التصريح باسمه عند وعظه أو نصحه؛ إذ المقصود في الآية زينب وأخوها عبد الله رضي الله عنهما, ولكن التعبير كان بلفظ مؤمن ومؤمنة.