أما العقوبات فشأنها أن تكون رادعة بحيث تكف عن الجريمة قبل وقوعها، فإذا وقعت كانت كفيلة بتأديب الجاني وزجر غيره، وإلا ما حققت المقصود منها؛ يقول أحد الفقهاء عن العقوبات: "إنها موانع قبل الفعل زواجر بعده" [52] أي العلم بشرعيتها يمنع الأقدام على الفعل، وإيقاعها بعده يمنع العود إليه، ثم أن عدم الردع في العقوبات الحاضرة دليل على الحاجة إلى العقوبات السماوية، وإذا كان السجن الآن هو أبرز العقوبات على مخالفات العصر، أو هو العقوبة الأساسية التي يعاقب بها في كل الجرائم بسيطة كانت أوْ خطيرة فهل ترى ذلك أغنى شيئا؟.

إن الجرائم لم تقلّ، بل هي في ازدياد مستمر.. كما تدل على ذلك سجلات المحاكم وملفات المحامينِ، وفوق أن السجن لم يقض على الجريمة، ولم يوقف نشاطها فإن العلاج به فيه كثير من العيوب نشير إلى بعضها:

1- تكليف الدولة كثير من النفقات والأموال الباهظة التي لا بد من رصدها للإنفاق على نزلاء السجون، وموظفيها وعمالها، زيادة على تكاليف بنائها وإنشائها، وكم يرصد من أجل ذلك من أموال. إن ميزانية السجون بين الميزانيات الضخمة التي يدفعها المجتمع وهو في حاجة إليها دون فائدة أو جدوى، ذلك أنك تسأل هل استطاعت السجون المسماة بدُور الإصلاح والتقويم أن تقوم بهذا الغرض فعلا من حيث علاج المجرم والقضاء على الجريمة.

إن الواقع يؤكد عكس هذا، فإن الحبس لا يمنع المجرم من مزاولة هوايته إلا مدة لحبس فقط، ثم يعود بعده سيرته الأولى كأعتى ما يكون، لأنه يعيش بين قوم ألفوا الإجرام واعتادوه، فيخرج من سجنه وقد أصبح أستاذا في الجريمة بعد أن أخذ قواعدها من مدرسة الجريمة، ولذلك فانه قد يكون في الحبس بعض من لم يتمرس على الجريمة لأنه ليس مجرما حقيقيا. ولكنه باختلاطه مع زملائه، وتبادل المعلومات والخبرات معهم يخرج وقد أصبح خبيرا متخصصا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015