8- إذا تعلل بعض الرقعاء بأن الحدود لا تناسب أذواق العصر ومداركه؛ لأنها وضعت لنفوس قاسية غير مدركة، أما الآن فقد أرهفت الأحاسيس، وعلت المدارك فلا سبيل إلى مثل هذه العقوبات، قلنا لهم: مصداق هذا الادعاء ألا توجد أسبابه، فلا توجد السرقة التي أوجبت عقوبتها، ولا يوجد الزنا الذي أوجب عقوبته..وهكذا.. ولكن الجرائم مازالت قائمة، وقد تعددت أسبابها، وتفتحت أبوابها، وتفننت العقول في طرائقها، وتصفح أي جريدة في أي بلد في العالم تجدها لا تخلو من جرائم السرقة والقتل والنصب والاختلاس. حتى صار الشخص لا يأمن على نفسه وماله في كثير من بلدان العالم.
ولقد نشرت جريدة الأخبار القاهرية منذ سبع سنوات ما يلي: -نقلا عن وكالات الأنباء- قتل المجرمون في الولايات المتحدة أكثر من عشرين ألف شخص خلال عام 1973م، وسرق اللصوص ممتلكات وأشياء تزيد قيمتها على ألفين وستمائة مليون دولار، وذلك بعد أن زادت موجة الجريمة خلال سنة 1974 بنسبة 18% عن العام الأسبق.
وذكر تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالية في عام 1974 أن عشرة ملايين ومائة ألف جريمة خطيرة وقعت في الولايات المتحدة، وذلك بزيادة مليون ونصف مليون جريمة عن عام 1973، وكان ثلث الذين اعتقلوا لارتكاب الجرائم الخطيرة من الشباب المراهق تحت العشرين [50] .. ومثل ذلك كثير في البلدان التي لا تقيم حدود الله، فكثرة أسباب العقوبة دليل على شدة الحاجة إلى الحدود والعقوبات ودليل على أنَّ النفوس لم تسم عن نفوس السابقين، وإن ارتفعت في مجال العقل والفكر، لأن العقل وحده لا يكفى، بل لا بد له من خلق كريم يسيره، وهداية إلهية تهديه سواء السبيل.
وإذا بدا للبعض أن العقوبات شديدة موجعة، فذلك شأن العقوبة دائما، فاسمها مشتق من العقاب، ولا يكون العقاب عقابا إذا كان موسوما بالرخاوة والضعف، بل يكون لعبا وعبثا. أو شيئا قريبا من هذا [51] .