وأما القول الأول: وهو ثبوت المعاد الروحاني فقط، فهو قول الفلاسفة الإلهيين. وذلك لأن البعث عندهم، عبارة عن مفارقة النفس لبدنها. واتصالها بالعالم العقلي، الذي هو عالم المجردات. وسعادتها، وشقاوتها، إنما تكون بفضائلها النفسانية ورذائلها [18]

يقول ابن سينا في كتابه: الإشارات والتنبيهات، النمط الثامن:

(والعارفون المتنَزهون إذا وضع عنهم درن مقارفة البدن، وانفكوا عن الشواغل خلصوا إلى عالم القدس والسعادة، وانشغلوا بالكمال الأعلى، وحصلت لهم اللذة العليا وقد عرفتها.

وأما البله فإنهم إذا تنزهوا خلصوا من البدن إلى سعادة تليق بهم، ولعلهم لا يستغنون فيها عن معاونة جسم يكون موضوعا لتخيلات لهم، ولا يمنع أن يكون ذلك جسما سماويا، أو ما يشبهه، ولعل ذلك يفضي بهم آخر الأمر إلى الاستعداد للاتصال المسعد الذي للعارفين) [19]

وأما القول الثاني: وهو ثبوت المعاد الروحاني والجسماني معاً، فهو قول منسوب إلى الحليمي، والغزالي. والراغب، وأبي زيد الدبوسى، ومعمر من قدماء المعتزلة، وجمهور من متأخري الإمامية، وكثير من الصوفية، فإنهم قالوا: إن الإنسان بالحقيقة هو النفس الناطقة، وهى المكلف، والمطيع والعاصي، والمثاب، والمعاقب، والبدن يجري منها مجرى الآلة، والنفس باقية بعد فساد البدن. فإذا أراد الله تعالى حشر الخلائق، خلق لكل واحد من الأرواح بدنا يتعلق به، ويتصرف فيه كما كان في الدنيا [20] .

وأما القول الثالث: وهو ثبوت المعاد الجسماني فقط، فهذا القول منسوب لأكثر المتكلمين النافين للنفس الناطقة وهو قول أهل السنة.

وأمّا القول الرابع: وهو إنكار المعاد الروحاني والجسماني جميعا، فهو قول القدماء من الفلاسفة الطبيعيين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015