5- إن الدعاء هو من قبيل التمثيل قال الزمخشري [156] : {تَدْعُو} مجاز عن إحضارهم، كأنها تدعوهم فتحضرهم كقول ذي الرمة: "تدعو أنفه الريب..".
وكان هذا الرأي من بين الآراء التي ذكرها القرطبي [157] أيضا؛ فقال: "وقيل: هو ضرب مثل، أي أن مصير من أدبر وتولى إليها، فإنها الداعية لهم، ومثله قول الشاعر:
ولقد هبطنا الواديين فواديا
يدعو الأنيس به العضيض الأبكم
العضيض الأبكم: الذباب، وهو لا يدعو وإنما طنينه نبه عليه، فدعا إليه".
دفاع الشيخ المغربي عن المجاز في تفسير الآية:
انتهج الشيخ المغربي [158] في تفسير الآية نهج القائلين بالمجاز، وأسرف على نفسه حين أخذ في الرد على القائلين بالحقيقة، وهاك نص رأيه: "..وقوله {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلى} أي تنادي وتهتف بالذي أدبر وأعرض عن الإيمان، وقال (تدعو) لأن تهيؤ جهنم، وتبرجها للمعرضين عن الإيمان، وتفتح أبوابها لدخولهم كأنه في المعنى هتاف بهم، ودعاء لهم، وهو ما يسمونه (لسان الحال) كما أن الدعاء بالقول (لسان المقال) ، وهذا الضرب من التعبير كثير الشيوع في كلام العرب وأشعارهم، لا سيما إذا أرادوا الحكاية عن شيء لا يعقل، ووصف أحواله ومنه قوله:
شكا إلي جملي السري
يا جملي ليس إلي المشتكى
صبرا جميلا فكلانا مبتلى
والجمل لا يمكن أن يشكو بلسان مقاله، وإنما يشكو بلسان حاله، فإن آثار الأين [159] والكلال والحفاء البادية عليه، كأنها ألسنة تنطق بالشكوى إلى صاحبه.
وقال أبو النجم - الرجاز المشهور - يصف روضته: "نقول للرائد أَعْشَبت فانزل"أي: أنها لاستجماعها ما يلزم للقوم المسافرين: من مرعى وماء وظل، إذا وصل إليها رائدهم يبتغي لهم مكانا للنزول، استوقفته تلك الروضة، بحيث لا يمكن تجاوزها دون النزول فيها بقومه، فهي كأنها تقول له: (أعشبت) أي أصبت عشبا (فانزل) على الرحب والسعة) ومثله قول الراجز الآخر: