ونحن نعقب: بأن رأي الفلاسفة هذا، اتباع للظن ومصادم لما جاء به القرآن في شأن جبريل عليه السلام، فالله سبحانه قد وصفه بأنه {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلى} (6، 7: النجم) ، فاستواؤه بالأفق الأعلى كما رآه رسول الله في بدء الوحي "سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض"فرآه على صورته الحقيقية [74] التي خلقه الله عليها، وهذا يؤكد الجسمانية والحركة لجبريل عليه السلام ثم قال تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (8، 9: النجم) ، فالدنو والتدلي والقرب هي حركات جسمانية من جبريل عليه السلام.
والقرآن صريح في نزول جبريل عليه السلام، كما في قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} (64: مريم) ، وقوله سبحانه: {وَلقَدْ رَآهُ نَزْلةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى} (13، 14: النجم) رأى رسول الله جبريل مرة ثانية على صورة الملائكة عند سدرة المنتهى.
ولقد رأى الرسول جبريل متشكلا في صورة بشرية لرجل من العرب هو دحية الكلبي، وفي حديث الصحيحين المروي عن أبي هريرة وعمر رضي الله عنهما قال عمر: "بينما نحن جلوس عند رسول الله ذات مرة إذ دخل علينا رجل، شديد بياض الوجه، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر.."الخ الحديث، فهذه كلها صفات حسية.
وفي حديث بدء الوحي في الصحيحين ضم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره "..فأخذني فغطني [75]- بالتاء أو بالطاء - حتى بلغ مني الجهد مبلغه ثم أرسلني.." [76] .
كل هذا وغيره كثير يدحض دعاوى الفلاسفة في كيفية الوحي [77] .