ولهذا تكون المظاهر في الأمور المحمودة أجدى على الأمة من غيرها، لأن الأغلبية ستندفع في تقليدها، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان قادة الأمة في طليعة المتمسكين بهذه المظاهر المحمودة، لأن غالبية الناس تبع لهم.
ولنأخذ مثلا على هذه المظاهر المحمودة حرص الناس على التعلم وشدة إقبالهم عليه في الآونة الأخيرة، فلو لم يكن منشأ هذه الظاهرة من علية القوم لما رأينا هذا الإقبال الشديد عليه من عامة الناس.
والتزود من العلم شيء محمود لذاته ولا حدود له إطلاقا، فهو أوسع منطلق وأعوده بالنفع، ورب العالمين يوجه رسوله الكريم لأن يتزود من العلم بقوله جل شأنه: {وقل رب زدني علما} .
والعلم لا يقتصر على تعلم القراءة والكتابة، لأن تعلم القراءة والكتابة هو مفتاح العلم ووسيلته، ومن يتوقف عند هذه الحدود أخرى به أن يعد من الأميين.
وميدان العلم فسيح وفسيح جدا، ولا يستطيع أن يلم به فرد أو مجموعة أو أمة أو جيل، ولابد له من جهود جبارة ومن تعاون شامل، ومن دأب واستمرار، لأنما توصلت إليه المدنية الحاضرة من علوم وفنون وهو حصيلة الأزمان السابقة وجهود العلماء المتلاحقة منذ تفتح الإنسان على العلم حتى الآن.
وكل شيء يحتاج إليه الإنسان في حياته نجد للعلم أثرا فيه، وكلما ازدادت ثقافة الأمة ازدادت أحوالها تحسنا.
والعلم لا يأتي إلا بالتعلم، والتعلم لا يأتي طفرة، وإنما لابد له من سنين طويلة ومن جهد ومن دأب واستمرار لأن طالب العلم نهم لا يشبع منه أبدا، فهو لذلك عندما يذوق لذته يندفع إليه دون تردد، ويستمر فيه دون انقطاع، وأقدر من يعي هذه الحقائق هم شباب الجامعات وطلاب المعاهد العليا على اختلاف أنواعها.
وإنني أخص بهذه الكلمة هؤلاء الشباب الذين هم رواد هذه الأمة وطليعة نهضتها، وموضع ثقتها ومقصد رجائها في تحقيق كل ما تهدف إليه في مستقبلها القريب والبعيد.