ومتى خطط الشباب لنفسه منطلقه في هذه الحياة عليه أن ينظر إلى أعظم شخصية سبقته في هذا المنطلق، وأن يتخذ منها مثالا على إمكانية بلوغ هذه المنزلة والتفوق عليها، وأن يتعاون مع من يساعده على سلوك هذا المنطلق ويتجنب من لا يفيده في ذلك، وأن يحرص كل الحرص على أن لا يفوت على نفسه الفرصة، لأن ما ضاع منه لا يعود، وإنما قد يتداركه بعض الشيء، والمثل العربي يقول: "ما ضاع من مالك أو من وقته ما علمك"
وليستفيد الشباب من تجارب من سبقهم في هذا المنطلق، وليتعرفوا ما ارتكبه البعض منهم من أخطاء، وليعملوا على تجنبها، لأن تجارب من سبقنا في مضمار الحياة هي دروس نافعة لنا، إن استفدنا منها تجنبنا كثيرا من الزلل ووفرنا على أنفسنا كثيرا من الجهد، ولم نضيع من الوقت ما نحن بحاجة إلى الاستفادة منه.
والشباب المتعلم المثقف هو أقدر على تحمل المسؤولية وتقدير التبعات، وهو أولى من غيره بأن يقدر هذه المعاني ويوليها حقها، لأن له من ثقافته ما يدفع به إلى سلوك سبل المجد في كل منطلق، وهو موضع أمل الأمة ومحط أنظارها؛ فإذا ما جعل التفوق هدفه وصل في النتيجة إلى تحقيق هذا الهدف، وكان أسوة لغيره فيه، لأن طبيعة النفوس تواقة إلى تقليد غيرها (ولو بالظاهر) ، وغالبا ما يكون التقليد في المظاهر.
والذي يؤكد لنا هذه الظاهرة تسابق الناس إلى تقليد بعضهم بعضا في كثير من المظاهر الاجتماعية انسياقا وراء عدوى التقليد، دون أن يحكموا في ذلك دينهم أو أن يأخذوا الأمر عن بصيرة ويتقن من جدواه.
فللمظاهر تأثيرها الفعال على النفوس، ولها عدواها الخاصة بها، حتى أنها لتسري في المجتمع سريان النار في الهشيم (تلتهم الأخضر واليابس) إلا من رحم ربك، فيختلط الأمر على الرجل الحكيم، حتى يظن أن مجاراة الناس في هذه المظاهر خير من مخالفتهم.