لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً, وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} . فإذا كان الجن قد أمكنهم الصعود إلى السماء حتى لمسوها وقعدوا منها مقاعد فكيف يستحيل ذلك على الإنس في هذا العصر الذي تطور فيه العلم والاختراع حتى وصل إلى حد لا يخطر ببال أحد من الناس حتى مخترعيه قبل أن يخترعوه. أما السموات المبنية فهي محفوظة بأبوابها وحرسها فلن يدخلها شياطين الجن والإنس كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} . وقال تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} . وثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء مع جبريل لم يدخل السماء الدنيا وما بعدها إلا بإذن فغيره من الخلق من باب أولى وأما قوله سبحانه في سورة الرحمن: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} . فليست واضحة الدلالة على إمكان الصعود إلى الكواكب لأن ظاهرها وما قبلها وما بعدها يدل على أن الله سبحانه أراد بذلك بيان عجز الثقلين عن النفوذ من أقطار السموات والأرض وقد ذكر الإمام ابن جرير رحمه الله وغيره من علماء التفسير في تفسير هذه الآية الكريمة أقوالا أحسنها قولان. أحدهما: أن المراد بذلك يوم القيامة وأن الله سبحانه أخبر فيها عن عجز الثقلين يوم القيامة عن الفرار من أهوالها وقد قدم ابن جرير هذا القول وذكر في الآية التي بعدها ما يدل على اختياره له والقول الثاني: أن المراد بذلك بيان عجز الثقلين عن الهروب من الموت لأنه لا سلطان لهم يمكنهم من الهروب من الموت كما أنه لا سلطان لهم على الهروب من أهوال يوم القيامة وعلى هذين القولين