يقول الحريري على لسان أبي زيد الذي كان سأل غلامه والغلام يجيب: ".. وعم تسأل وفقك الله؟ قال: أيباع هاهنا الرطب بالخطب، قال: لا والله، قال ولا البلح بالملح؟ قال: كلا والله، قال: ولا الثمر بالسمر؟ قال: هيهات والله، قال: ولا العصائد بالقصائد؟ قال: اسكت عافاك الله، قال: ولا الثرائد بالفرائد؟ قال: أين أذهب بك أرشدك الله! قال: ولا الدقيق بالمعنى الدقيق؟.. إلى أن قال الغلام: أما بهذا المكان فلا يَشتري الشعر الشعيرة، والنثر بنثارة، ولا القصص بقصاصة، ولا الرسالة بغسالة، ولا حكمة لقمان بلقمة.. أما هذا الزمان فما منهم من يميح إذا صيغ له المديح، ولا من يجيز إذا أنشد له الأراجيز، ولا من يغيث إذا أطربه الحديث، وعندهم أن مثل الأديب كالربع الجديب إن لم تجد الربع ديمة لم تكن له قيمة ولا دانته بهيمة، وكذا الأدب إن لم يعضده نشب فدرسه نصب" [21] .
أعتقد أن كلامه هذا لا يحتاج إلى تعليق، إلا أن القارئ قد يتساءل هل هو في النثر فقط أم له منه في الشعر أيضا، فأقول تعال لنطالع بعض أبياته له في الشعر حيث لا حاجة لنا في زيادة الشواهد في النثر، فلنبدأ بالبيتين الآتين:
وقلت للائمي أقصر فإني
سأختار المَقام على المُقام
وأنفق ما جمعت بأرض جمع
وأسلو بالحَطيم عن الحُطام [22]
فقد رأيت جمعه بين المَقام والمُقام والحَطيم والحُطام، فإليك بيتين آخرين يقول الحريري:
لم يبق صاف ولا مصاف
ولا مَعين ولا مُعين
وفي المساوي بدا التساوي
فلا أمين ولا ثمين [23]
ففي هذين البيتين جاء بأربع كلمات في كل بيت، وكان كلامه سلسا سهلا أكثر منه في النثر
وأرى من المناسب أن نقرأ له هذه الأبيات الواردة في المقامة السابعة التي زينها بالجناس، ويشرح فيها أبو زيد حاله فيقول:
لقد أصبحت موقوذا
بأوجاع وأوجال
وممنوا بمختال
ومحتال ومغتال
وخوان من الإخوا
ن قال لي لإقلال