صعدنا وقعدنا ننظر إلى ذلك الكون العجيب؛ فكنا نرى خضرة البحر المختلطة بزرقة السماء تتناثر بينهما قوافل منقطعة من السحاب؛ فكانت مناظر تأخذ بالألباب إلى خالقها سبحانه، لذلك لم نشعر بطول المدة ولم نمل على الرغم من طولها فعلا، وبقينا في الطابق الأعلى إلى أن أضاءت الإشارة بطلب عودة كل راكب إلى مقعده فعدنا وقد رفع ذلك الفيلم الثقيل على النفس الذي حرمنا من لذة التمتع بآيات الله الكونية، ولكن رب ضارة نافعة؛ فقد استفدت من تلك الوجبة الطبية من النوم.
طلب غريب وتلبية أغرب:
مرّ بنا مساعد قائد الطائرة فحيانا، واغتنم زميلي الفرصة فأبدى له رغبته في رؤية غرفة القيادة وآلات القيادة، فأجابه بكل هدوء: ستراها، وذهب، والظاهر أنه استراب من هذا الطلب الغريب، ولكنه قد وعد بتلبيته، وعندما بدأت الطائرة تهبط شيئا فشيئا جاء الرجل إلى الزميل وقال له: إذا هبطت الطائرة فانتظر قليلا وهبطت الطائرة وخرج الركاب، وانتظرنا وجاء الرجل واصطحبنا إلى غرفة القيادة وبها القائد وبعض مساعديه، والغرفة ضيقة، فأشار القائد للزميل إلى الآلات التي توجه بها الطائرة يمنة ويسرة وعلوا وسفلا واستواء؛ فشكرهم على ذلك، وأخذنا حقائبنا اليدوية ونزلنا إلى المطار.
علقت على ذلك في نفسي، فقلت: هل يجرأ الزميل أو غيره أن يطلب من طيارينا في الشرق هذا الطلب في الجو؟ وإذا طلب ذلك هل تثبت أعصاب القائد وطاقم الطائرة كلهم؟ وإذا ثبتت فهل يسكتون عن هذا الطلب أو سينزل من الطائرة فيجد البوليس في انتظاره للتحقيق معه؟ دارت بذهني هذه المعاني كلها وتمنيت من قلبي أن توجد هذه المعاملة الحسنة لدى موظفينا، ومنهم من هو في قمة الأخلاق الحسنة الذين نتمنى من بعضهم الكلمة الطيبة وقت معاملته التي هي فرض عليه؛ لأنه يستلم أجرا عليها.