وكذلك لم يكن في المستكفي أدنى كفاية للخلافة. وإنما أرسله الله على الأمة محنة وبلية. إذ كان منذ عرف منقطعاً إلى البطالة، مجبولاً على الجهالة، عاطلاً عن كل حلية تدل على فضله. عضته الفتنة فأملق، وهان حتى أهانه أهله ولقد رآه أبو حيان مؤرخ الأندلس المشهور أيام الخسف بأهل بيته في الدولة الحمودية، ولم يكن ممن لحقه الاعتقال منهم لركاكته. كان يقصد أهل الفلاحة يومئذ بقرطبة أوان ضمهم لغلاتهم يسألهم من زكاتها. قال وقد أجمع أهل التحصيل أنه لم يجلس في الأمارة منذ تلك الفتنة أسقط منه، ولا أنقص. إذ لم يزل معروفاً بالتخلف والركاكة، مشتهراً بالشرب والبطالة، سقيم السر والعلانية، أسير الشهوة، عامل الخلوة.
ذلك الوقت هو الذي أشار إليه ابن حزم بقوله:
فضيحة لم يقع في الدهر مثلها! أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام في مثلها، يسمى كل واحد منهم بأمير المؤمنين، ويخطب له في زمن واحد: أحدهم خلف الحصري باشبيلية على أنه هشام بن الحكم المؤيد. والثاني محمد بن القاسم بن حمود بالجزيرة الخضراء والثالث محمد بن علي بن حمود بمدينة مالقه والرابع إدريس ابن يحيى بن علي بسبته تلك هي الأيام التي كان العرب والبربر فيها في خصام مستديم، وكان كل من الفريقين منقسماً على نفسه، وكان الجميع في خلاف مع أهل المغرب الأقصى من الجنوب، وفي حروب وخطوب مع بقايا الأمم الاسبانية من الشمال والغرب. في ذلك الوقت العصيب تفرق أهل الأندلس فرقاً، وتغلب في كل جهة منها متغلب. وهم الذين عرفهم التاريخ باسم - ملوك الطوائف_وقد أرادوا أن يفخموا أنفسهم وممالكهم فتقسموا ألقاب الخلافة، كما تناهبوا أشلائها. فكان منهم المعتضد والمأمون والمؤتمن والمستعين والمقتدر والمعتصم والمعتمد والموفق والمتوكل. إلى غير ذلك من الألقاب الخلافية. حتى قال في ذلك أبو علي الحسن بن رشيق بيتين سارا سير الشمس، وبقيا بقاء الدهر. وهما:
مما يزهدني في أرض أندلس ... سماع مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
فكانت طرطوش وسرقسطة وافراغه ولاردة وقلعة أيوب في يد بني هود. وكانت بلنسية في يد عبد الملك بن عبد العزيز. وكان الثغر، أي ما فوق طليطلة من جهة الشمال