ولا شفاعة إلا شفاعة صوته الرخيم وطرف من صنعة الغناء فجعل النهار للسير والليل للغناء يلتمس به المبيت في مساكن الفلاحين ثم يأخذ في سرد البلاد التي زارها ذلك الكاتب الكبير وكيف أنه عاد أخيراً إلى عاصمة الدنيمارك وأصبح كاتبها المحبوب. ونال من أميرها اللقب والثورة فختم الله بالشهرة واليسر عيشة كان مبدأها الخمول والعسر وأراد جولد سميت أن يسلك هذا الطريق لتكون عيشته صورة لعيشة ذلك الكاتب فترك ليدن في فبراير سنة 1755 وتمكن لا ندري بأية وسيلة من زيارة مدائن لوفين وانتورب وبروكسيل وماستركت وغيرها من بلاد الفلمنك على التوالي ثم ولج بلاد فرنسا واعتمد على مزماره في قطع المسافة إلى باريز فجعله آلة لبلوغ الرزق والمأوى بين جماعات الفلاحين الذين أروه من البر والإكرام ما رفع عنه حجاب الحشمة وأرسل نفسه على سجيتها فكان ينعم بينهم بأنس الأهل والوطن ولما وصل باريز أقام بها بضعة أشهر حضر أثناءها دروساً في الكيمياء وتشرف برؤية الفيلسوف فولتير وسماعه منه مقالاً بليغاً في مناظرة كانت لذلك الفيلسوف مع رجال تنقصوا الإنكليز وكتابتهم وشعرهم فانبرى لهم بعد طول سكوت بلسان عضب وحجة غراء بطلت أمامها أقوال المناظرين ودحضت براهينهم ورحل جولد سميث عن باريز إلى سويسرا ماراً بجنيفاً وبازل وبرن وكان يستطرد عن طريق سفره فيطوف في أنحاء الجبال والأودية موغلاً في أعماقها كل ذلك على قدميه ثم عبر جبال الألب منحدراً إلى سهول إيطاليا وزار بلاد فلورنس وفرونا ومانتوا وميلان وفينيس (البندقية) وبادو وقد ذكر جولد سميث أنه لم يجن من مزماره كبير فائدة في إيطاليا وذلك أنه لم يكد يوجد بين أهلها إلا من هو أحذق منه بالزمر فالتمس الرزق من باب آخر وهو باب المناظرة الفلسفية في معاهد العلم والدين وكانت تعقب المناظرة بالأكل ويكافأ الغالب ببضعة دراهم (وبعد) فطريقة ارتزاق جولد سميث أثناء هذه الرحلة المدهشة سر غامض وربما كان يقترض ممن كان يصادف أثناء سياحته من أصدقائه الايرلنديين وربما كان يكتسب أحياناً بالمقامرة وأحسب أنه تعلق مرة أو مرتين بأحد من عرف من السائحين أثناء رحلته وأخيراً عاد جولد سميث إلى انكلترا مخترقاً فرنسا على قدميه يحتلب الرزق من ثقوب مزماره حتى بلغ لندن لخمس عشر بقين من شهر فبراير لا يملك فتيلاً ولا قطيراً (للكلام بقية)