فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سُوقة ننتصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تاران بنا وتصرف
أف لهذه الدنيا، بل أف لجبابرة الملوك، ما أغدر وما أخون. فبيناهم يلينون للناس لين فراء السمّور، إذا هم يلبسون لهم جلود النمور، وأنت أيها الغلام ما أكرمك إذ وفيت لسيدك وقت نكبته، وفرجت عنه بعض كربته، وما ألأم ذلك المولى الذي عزم على أن يسلم سيده الأمير موسى وهو بوادي القرى في أسوأ حال ففطن موسى لذلك فذل له وقال يا فلان أتسلمني في هذه الحال فقال له اللئيم قد أسلمك خالقك ومالكك الذي هو أرحم الراحمين، فدمعت عيناه وجعل يرفعهما إلى السماء خاضعاً مهيناً بشفتيه فما سفرت تلك الليلة إلا عن قبض روحه رحمة الله - وقد اختلف المؤرخون في سبب هذه النكبة فقال بعض أن موسى إنما قدم على الوليد وأن سليمان ولي العهد لما سمع بقرب موسى من دمشق وكان الوليد مريضاً كتب أي سليمان إلى موسى يأمره بالتربص رجاء أن يموت الوليد قبل قدوم موسى فيقدم موسى
على سليمان في أول خلافته بتلك الغنائم الكثيرة التي ماريء ولا سمع مثلها فيعظم بذلك مقام سليمان عند الناس فأبي ذلك موسي ومنعه دينه منه وجد في السير حتي قدم والوليد حى فسلم له الأخماس والمغانم والتحف والذخائر فلم يمكث الوليد إلا يسير أبعد قدوم موسي وقضى واستخلف سليمان فحقد عليه وكان منه ما كان، وذهب آخرون إلى أن طارقاً لما هزم القوط وفتح طليطلة أصاب في كنيستها مائدة من أعجب ما صنع الأنس قالوا وأصل هذه المائدة أن القوط في أيام ملكهم كان أهل الحسبة منهم إذا مات أحدهم أوصي بمال للكنائس فإذا اجتمع عندهم ذلك المال صاغوا منه الآلات الضخمة من الموائد والكراسي وأشباهها من الذهب والفضة تحمل الشماسة والقساوسة فوقها مصاحف الأناجيل إذا برزت في أيام المناسك ويضعونها على المذابح في الأعياد للمباهاة بزينتها فكانت تلك المائدة بطليطلة مما صيغ في هذه السبيل وتأنقت الأملاك في تفخيمها يزيد الآخر منهم على الأول حتي برزت على جميع ما اتخذ من تلك الآلات وطار الذكر مطاره عنها وكانت مصوغة من خالص الذهب مرصعة بفاخر الدر والياقوت والزمرد لم تر الأعين مثلها وكانت توضع على مذبح كنيسة طليطلة فأصابها المسلمون هناك وطار النبأ الفخم عنها فلما قدم موسى إلى طليطلة طالب طارقاً بأداء ما عنده من مال الفىء وذخائر الملوك واستعجله المائدة فأتاه