لكم أمراً ذهب ريحكم وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة - واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً - وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان، من بنات يونان، الرافلات في الدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عرباناً، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختاناً، ثقة منه بارتياحكم للطعان واستماحكم لمجالدة الأبطال والفرسان. ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصاً لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم - واعلموا أنني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله فاحملوا معي فإن هلكت بعه فقد كفيتكم أمره ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عيه واكتفوا من فتح هذه الجزيرة بقتله فإنهم بعده يخذلون.
فانبسطت نفوس القوم وتحققت آمالهم وهبت رياح النصر عليهم وقالوا لقد قطعنا الآمال مما يخالف ما قد عزمت عليه فاحضر إليه فإننا معك وبين يديك فركب وأصحابه وباتوا ليلتهم في حرس إلى الصبح، وكان ذلك يوم الأحد لخمس خلون من شوال سنة اثنتين وتسعين للهجرة الموافق اثنين وعشرين يوليه سنة تسعمائة وعشرة رومية (ميلادية) فلما أصبح الفريقان تكتبوا وعبوا جيوشهم وحمل لذريق وهو على سريره وقد حمل على رأسه رواق ديباج يظلله وهو مقبل في البنود والأعلام وبين يديه المقاتلة والسلاح وأقبل طارق في أصحابه عليهم الزرد من فوق رؤوسهم العمائم البيض وبأيديهم القسي العربية وقد تقلدوا السيوف واعتقلوا الرماح والتحم الجيشان وكان ذلك في فحص شريش.
ولما رأى طارق رذريقاً قال هذا طاغية القوم فحمل وحمل معه أصحابه فتفرقت المقاتلة من بين يدي رذريق فخلص إليه طارق فضربه بالسيف على رأسه فقتله على سريره وكان كما قيل:
فمساهم وبسطهموا حرير ... وصبحهم وبسطهم تراب