وكنا نعاني الصعاب في مقابلة تلك المشاق حتى استنفد هذا الجهاد جميع مؤننا ثم قال ولا نظن أنه قد أصاب إحدى البعثات ما أصابنا أو عاني قوم ما عانينا مدة شهر من الزمان حتى لم يبق معنا سوى شيء قليل من الوقود لتهيئة طعامنا الذي كان قد نفد هو أيضاً ولم يبق معنا منه ما يكفينا يومين كاملين.
وها قد مضت علينا أربعة أيام لم نقدر على الخروج من مضربنا بسبب هياج العواصف الثلجية والزعازع الزمهريرية التي تحيط بنا من جميع الجوانب.
لقد صرنا ضعافاً وخارت قوانا حتى لم تعد لنا قدرة على الكتابة أما أنا فلست بآسف ولا حزين الفؤاد على خروجنا لهذه الرحلة التي أظهرت أن في الإنكليز اليوم من يقدرون على مقابلة الصعاب ومقارعة الشدائد والصبر على الأهوال ثم التعاون في ساعة الشدة وعدم المبالاة في ملاقاة الموت ومقابلته على نحو ما سبق لبعض سلفهم وهذه الملاحظات التي أكتبها على عجل ثم جثثنا التي سيعثر عليها ملقاة على الثرى ها هنا كل هذا لعمري يقص عليّ من يأتون للبحث عنا تاريخنا ولا أخال بلاداً كبلادنا تترك آلنا وذوينا في أوطاننا عالة بعدنا.
فقلت لابني كفى يا بني أثار هذا الحديث أشجاني وكنت أحب أن لا يموت هذا الرجل ولكن هل تحقق للكبتن سكوت أمر القطب الجنوبي الذي كان قد قام باكتشافه منذ سنتين الرحالة روالد أمندسن وهل عمل الإنكليز بوصية سكوت قال أجل إن سكوت وصل القطب الجنوبي في 18 يناير سنة 1912 ورأى القلم الذي نصبه هناك أمندسن وقد رتب الإنكليز لأرملته وابنه معاشا بل نشرت الجرائد أنهم قاموا يكتتبون بالأموال الطائلة إعانة لأرامل رجال هذه البعثة وأولادهم وتخليد ذكرهم وقد رأيت كيف جعلوا أيها الوالد العزيز سيرته بين سير أبطالهم وهو وأيم الحق خليق بكل إكرام وهل الشرقيون يكرمون عظماءهم مثل هذا الإكرام. .
وبينما نجيب يتكلم دخلت علينا أخته الصغيرة زكية وفي يدها قطعة من الحلوى وهي تبتسم ابتسامة الساذج فرأى بعض الذباب على وجهها ويدها بها حلوى فاستشاط غضباً وصاح ألقي هذه الحلوى واذهبي فاغسلي يديك ووجهك ولا تتركي الذباب يحط عليك مرة أخرى لأنه أكبر موصل للأمراض والأوصاب فتبسمت لكلامه لأني تذكرت أن بعض