لدى التاجر أن يبيع سلعته في إنكلترة أو ألمانية مادام يعتمد على سمعته ومهارته، واتسعت الأرض أمام كل ذي حرفة، يحل منها حيث طاب له الكسب، ويكون له في كل أرض وطن إذا شاء.
يومئذٍ لا يذهب التاجر إلى المستعمرات وهو ينظر وراءه إلى أسطول دولته، ولكنه ينظر كيف ينتقي بضاعته من معمل تروج سلعه ويقبل الناس على مصنوعاته.
وليس في الناس إلا فريق واحد لا تروقه هذه الحرية التجارية. ونعني به أصحاب المصانع الذين يسخرون قوة حكوماتهم لفتح الأسواق في وجوه مصنوعاتهم. ولكن هذه الفئة لا طاقة لها بصد التيار الجارف. وقد أخذت تضمحل سلطتها. ويشاركها في نفوذها قوم لا مصلحة لهم في احتكار الأسواق. وهم أحزاب العمال والزراع وغيرهم ممن يعيشون في ظل كل راية في المعمور.
لقد بدأت هذه الحركة المباركة تظهر في تكاثر المهاجرين من كل مملكة في طلب الكسب. وإباحة الحكومات حقوق التوطن لكل من قضى في بلادها زمناً محدوداً. ورأينا بعض الحكومات تطلق الحرية للتجارة وتبتعد عن الإشراف عليها. وسينتهي ذلك لا محالة إلى الوطنية العامة وانفراد التجارة بنفسها في العالم أجمع.
ومتى كان الرجل لا يحرم في أرض الغربة حقاً يتمتع به في وطنه. فلا حاجة بالحكومات إلى الاستعمار. ولا حاجة بالرجل إلى حماية حكومته.
ومن ثم يصير تنازع طبيعياً يبقى فيه الإصلاح للبقاء حقيقة. ويبطل الاستعمار فيبطل كل ما نشأ بسببه من الخلاف بين الدول الاستعمارية، فإن الخلاف بين هذه الدول قد انقطعت أسبابه إلا من هذه الوجهة، ولولا الاستعمار لما تأهبوا للحرب هذه الأهبة. فإن هذا العصر أندر العصور حروباً وإن كان أكثرها آلة حرب، وتفنناً في أساليب القتال. وليس هذا بالأمر الغريب فإن زيادة أداة الحرب قد زادت نفقاتها أيضاً. واشتباك المرافق الاقتصادية جعل الحروب أعم خسارة وأبلغ ضرراً من ذي قبل، وهكذا يؤدي الاشتباك القليل في المرافق إلى التنازع والخلاف، فإذا تشعب وتمكن كان أقوى ضمانة للسلم والوفاق. وسيتشعب ويتداخل حتى تقع الضربة في البلد فتضرب لها البلدان كافة. فإذا صرفنا النظر عن هذا التقدم المادي إلى التقدم المعنوي رأينا أن قيمة الحياة تعلو في نظر الإنسان وأنه