السياسية. أو لأنهم يمدونهم بالمال في المنافسات الانتخابية. فإذا طمحوا إلى غرض من أغراضهم لم يعسر عليهم إقناع ولاة المملكة بمعاونتهم فيه. واستخدموا الصحافة بالرشى والجاه لتهيئة الرأي العام لقبول ما يقترحون عليه. فلا يلبث هؤلاء الصحفيون أن يستشيروا حماس الشعب ويعبثوا بعواطفه الدينية أو الجنسية. وما هو إلا أن تسري المقالة بعد المقالة بين الجمهور حتى يهب صارخاً بالحرب. ويقال حينئذٍ أن الأمة تريد القتال وأنه لا قبل للحكومة بمعارضتها. فتحرك الجيوش. وتذهب النفوس هدراً وتنفق الحكومة من مال الفقراء ونفوسهم أضعاف ما يبذله أولئك الأغنياء ثم لا يغنم من تلك المجزرة إلا تاجر جشع تحوي خزانته المليون ولكنه يطمع في المليونين. أو وزير يرمي إلى تمكين حزبه. أو ملك يريد أن يضيف إلى اسمه لقباً فارغاً يذكر به في التاريخ.
أما العامل الفقير الذي يتظاهر الساسة بالعناية به ويقولون إنّهم إنمّا يرفهون عنه بالتوسع في الاستعمار وشن الغارة على المستضعفة من الأمم. فسواء لديه أكانت دولته تملك ما بين لابتى الأرض أو أنها واقفة حيث هو يكدح ويكد. فإنه يعول في كل حال على قوة ساعده. ويعتمد في كل بلد نزح إليه على جهد يده. ولو أن اليابان كانت تملك الولايات المتحدة لما زاد أجر العامل الياباني دانقاً عما يناله الآن بغير معونة حكومته.
ولقد كان من بلايا الشرق أن تتوجه إليه مطامع أولئك التجار الأشعبيين. لنزارة أجور عماله. وخصب تربته وقلة المزاحمة الاقتصادية فيه. وجهل أهله بالانتفاع من ينابيع الثروة المتفجرة في أرضهم. فإذا نزل واحد منهم بالبلد الشرقي كان ذهبه نذيراً برصاص دولته. وأبى إلا أن يربطه إلى وتد من الاستعباد والمذلة كما تربط البقرة الحلوب.
ولو أن العامل الشرقي أحس بمعنى الحياة وجاشت في نفسه مطالبها لما قنع بما دون أجر العامل الغربي. ولأبقى تجار أوربا أموالهم في بلادهم. بل لو كان الشرقيون يستثمرون موارد الثروة في أقاليمهم. ويستنبطون الرزق من مناجمه عندهم. لما اتسع بينهم موضع لنزيل يمتص دماءهم ويسلبهم مالهم واستقلالهم. ويجعلهم عبيداً له والله خلقهم أحراراً.
ولقد طالما سمعنا الكاتبين منا يقولون: إن الغرب قد غلب علينا بأساطيله ومدافعه. فلنجادله بسلاحه ولنعد له من عدة الدفاع مثل ما يهاجموننا به.
إلا أنها نصيحة لا ينتفع بها إلا أمة أو أمتان لم يغلل الغرب أيديهما بقيود الاستعمار. ولا