وعشرين ذراعاً حولها دائرة مزدوجة من العمد وبها صفوف من المصابيح وبها نقوش وزخارف عجيبة وستوقد تلك المصابيح الليلة لتشرق تحت النجوم المشرقة فنعم أثر الماضي هي ونعم ميراث الغابر هذه كعبة المسلمين ومن أقاصي المشرق إلى أخريات المغرب - من دلهي إلى مراكش تتوجه أبصار العديد المجمهر من عباد الله المصلين شطرها وتهفو قلوبهم نحوها خمس مرات هذا اليوم وكل يوم نعم لهي والله من أجل مراكز المعمورة وأشرف أقطابها.

وإنما من شرف البئر زمزم وقدسية الحجر الأسود ومن حج القبائل إلا ذياك المكان كان منشأ مدينة مكة ولقد كانت هذه المدينة وقتاما ذات بال وشأن وإن كانت الآن قد فقدت كثيراً من أهميتها وموقعها من حيث هي مدينة سيء جداً إذ هي واقعة في بطن من الأرض كثير الرمال وسط هضاب قفرة وتلال مجدبة على مسافة بعيدة من البحر ثم يمتار لها جميع ذخائرها من جهات أخرى حتى الخبز ولكن الذي اضطر إلى إيجاد هذه المدينة هو أن كثيراً من الحجيج كانوا يطلبون المأوى ثم إن أماكن الحج مازالت من قديم الزمان تستدعي التجارة فأول يوم يلتقي فيه الحجيج تلتقي فيه كذلك التجار والباعة والناس متى وجدوا أنفسهم مجتمعين لغرض من الأغراض رأوا أنه لا بأس عليهم إن يقضوا كل ما يعرض لهم من المنافع وإن لم يكن في الحسبان لذلك صارت مكة سوق بلاد العرب بأجمعها والمركز لكل ما كان من التجارة بين الهند وبين الشام ومصر بل وبين إيطاليا وقد بلغ سكانها في حين من الأحيان مائة ألف نسمة بين بائعين ومشترين وموردين لبضائع الشرق والغرب وباعة للمأكولات والغلال وكانت حكومتها ضرباً من الجمهورية الأرسطوقراسية عليها صبغة دينية وذلك أنهم كانوا ينتخبون لها بطريقة غير مهذبة عشرة رجال من قبيلة عظمى فيكون هؤلاء حكام مكة وحراس الكعبة وكانت لقريش في عهد محمد وأسرة محمد من قبيلة قريش وكان سائر الأمة مبدداً في أنحاء تلك الرمال قبائل تفصلها بين الواحدة والأخرى البيد والقفار وعلى كل قبيلة أمير أو أمراء: وربما كان الأمير راعياً أو ناقل أمتعة ويكون في الغالب لصاً وكانت الحرب لا تخمد بين بعض هذه القبائل وبعضها ولم يك يؤلف بينهم حلف علني إلا التقاءهم بالكعبة حيث كان يجمعهم على اختلاف وثنياتهم مذهب واحد. وإلا رابطة الدم واللغة وعلى هذه الطريقة عاش العرب دهوراً طوالاً خاملى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015