الأنوف والكتاب المذكور هو أول ما جاءنا عن مسألة المسائل - حياة الإنسان وفعل الله به في هذه الدار وقد أتانا بذلك في أنصع بيان وأشد إخلاص وأحسن سهولة وإني لاتبين فيه العين البصيرة والقلب النافذ الفهم الجم الخشوع فهو الحق من حيث جئته والنظر الراسب في قراره كل شيء وصميم كل أمر - مادي وروحاني ألا تذكرون ما جاء فيه من ذكر الفرس الله الذي أودع الرعد حنجرته فهل ترى صهيله إلا قهقهة لرؤية الرماح؟ هذا والله أجود الاستعارة وما أحسب أن في عالم التشبيه كله ما يماثل ذلك أو يقاربه ذلك إلى ما في الكتاب المذكور من آيات الحزن الشريف والتوكل الحسن الجميل وما قرأت فيه قط إلا حسبت قلب الإنسانية يترنم شجى ووجداً ودمع الإنسانية يفيض حرقة وكمدا فيالها من رقة في شدة ورأفة في قوة وما أشبهها إلا بسحر الليلة الصائفة - رقة نسيم في جلال مشهد عظيم وإلا بالكون وكل ما فيه من أنجم وبحار وليل ونهار وما أحسب في جميع التوراة شيئاً يدانيه فضلاً قيمة.

والحجر الأسود كان من أعم معبودات العرب ولا يزال للآن بمكة في البناء المسمى الكعبة وقد ذكر المؤرخ الروماني سيسلا الكعبة فقال إنها كانت في مدته أشرف معابد العالم طرا وأقدمها وذلك قبل الميلاد بخمسين عاماً وقال المؤرخ سلفستاردي ساسي أن الحجر الأسود ربما كان من رجوم السموات فإذا صح ذلك فلا بد من أن إنساناً قد بصر به ساقطاً من الجو! والحجر موجود الآن إلى جانب البئر زمزم والكعبة مبنية فوقهما والبئر تعلمون منظر حيثما كان سار مفرح ينبجس من الحجر الأصم كالحياة من الموت فما بالكم بها إذا كانت تفيض:

بديمومة لا ظل في صحصحانها ... ولا ماء لكن قورها الدهر عوم

ترى الآل فيها يلطم الآل مائجا ... وبارحها المسموم للوجه الطم

أظل إذا كافحتها وكأنني ... بوهاجها دون اللثام ملثم

وقد اشتق لها اسمها زمزم من صوت تفجرها وهديرها والعرب تزعم أنها انحبست تحت أقدام هاجر وإسماعيل فيضاً من الله وشفاء وقد قدسها العرب والحجر الأسود وشادوا عليهما الكعبة منذ آلاف من السنين وما أعجب هذه الكعبة وأعجب شأنها فهي في هذه الآونة قائمة على قواعدها عليها الكسوة السوداء التي يرسلها السلطان كل عام يبلغ ارتفاعها سبعاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015