أعواده للحرب والاتجار مرنوا عليه وأحكموا الدربة بثقافته والحزب في أساطيله حتى كان من ذلك أن أغار الروم من العدوة الشمالية على إفريقية من العدوة الجنوبية والقوط على المغرب منها أجازوا في الأساطيل وملكوها وتغلبوا على البربر بها وانتزعوا من أيديهم أمرها وكان لهم بها المدن الحافلة مثل قرطاجنة وطنجة وكان صاحب قرطاجنة من قبلهم يحارب صاحب رومه ويبعث الأساطيل لحربه مشحونة بالعساكر والعدد - فكان ذلك ديدن أهل هذا البحر الساكنين حفافيه في القديم والحديث - فلما استقر الملك للعرب وشمخ سلطانهم وصارت أمم الأعاجم خولا لهم وتحت أيديهم ومت إليهم كل ذي صنعة بمبلغ صناعته واستخدموا من النواتية في حاجاتهم البحرية أمما وتكررت ممارستهم للبحر وثقافته شرهوا إلى الجهاد فيه فأنشؤا السفن والأساطيل وشحنوها بالرجال والسلاح وأمطوها العساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من هذه الأمم الحمراء واختصوا بذلك من ممالكهم وثغورهم ما كان أقرب لهذا البحر وعلى حافته مثل الشأم وإفريقية والمغرب والأندلس فأوعز عبد الملك بن مروان إلى حسان بن النعمان عامل إفريقية باتخاذ دار الصناعة بتونس لإنشاء الآلات البحرية حرصا على مراسم الجهاد ومنها كان فتح صقلية أيام زيادة الله بن الأغلب كما سيمر بك ثم تسلسل الأمر حتى بلغ شان الأساطيل عند العبيديين أصحاب إفريقية فيما سمعت ورأيت وعند بني أمية بالأندلس كما شاهدت هنا في المرية مبلغا غلبوا معه على هذا البحر من جميع جوانبه وعظمت صولتهم وسلطانهم فيه وصار لا قبل لأمم النصرانية بأساطيلهم به وملكوا سائر الجزائر المنقطعة عن السواحل منه مثل أقريطش وصقلية وقبرص ومالطة وقوصرة وسردانية وميورقة ومنورقة ويابسة كما سيمر بك إن شاء الله.

وقد كان أجل عناية العبيديين وبني أمية بشأن الأساطيل وتفوقهم في ذلك على سائر الممالك الإسلامية للسبب الذي قدمناه وهو وجودهم على ضفاف هذا البحر - أن انبعثت قرائح الشعراء في الأندلس وإفريقية بالقول في وصف الأساطيل واختص أدباء هذين القطرين بهذا الباب من الوصف حتى تكاد لا تجد لشعراء المشرق يدا فيه - ومن أحسن ما سمعناه لشعراء المغرب في الأسطول دالية أبي القاسم محمد بن هانئ الشاعر الأندلسي المنقطع الآن للمعز العبيدي وقد تقدمت في صدر هذه الرسالة. وبائية علي بن محمد الأيادي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015