حياة له إلا بالجماعة ولا إحساس له إلا مع الجماعة.
ولكي نكون شيئاً معدوداً ذا شخصية مستقلة لا تتجزأ ينبغي أن يكون لساننا صورة قلوبنا وفعلنا مطايقاً لقولنا وأن نكون ذوي زَمَاع إذا هممنا بأمر لم يحلنا عن قصدنا شيء ولم تحسبنا عن لُبانتنا بَدَاة. ومن لي بأن أرى هذا الرجل لا علم أرجل هو أم حضري أم الاثنان معاً وكيف استطاع أن يكونهما أو يؤلف بينهما.
ولقد كان من آثار هذا الاختلاف أن ظهر نوعان من التربية متناقضان كذلك أحدهما عام والثاني خاص فإذا أردت أن تحيط بالتربية العامة خُبراً وتسعها علما فعليك بجمهورية أفلاطون فإنها ليست كما يظن من يأخذ بالعنوان مؤلفاً في السياسة والحكومة ولكنها كتاب فريد في التربية لم يصنف في بابه أجمع منه.
على أني مع ذلك رأيت الناس إذا ذكروها أدخلوها في باب الخرافة ولعمري لو كان ليسرجاس دون نظريته في التربية لكانت ادخل في هذا الباب فقد شوه الإنسان ومسخه فأما أفلاطون فقد طهره وشتان بين هذا وذاك.
أما التربية العامة فلا وجود لها اليوم ولا يمكن أن يكون لها وجود لأنه لا بد كي تتهيأ أسباب ذلك من أمة وإلا فمن تريد أن تربي والأمة لا تتألف حتى يلم شعثها ويضم شتاتها بلد والأمة والبلد لفظان أصبحا لا ينبئان عن معنى ولا يسفران عن مدلول فصار حقاً علينا أن نمحوهما من لغاتنا الحديثة وعندي على ذلك البراهين القيمة والحجج اللائحة ولكن في الصدع بها خروجاً عما نحن فيه.
ولست أعد هذه المعاهد والمدارس إلا أضحوكة من الأضاحيك وسخرة تضحك وتبكي ولا اعتداد عندي بهذا الأسلوب الذي جرى عليه العالم في التربية لأنه يرمي إلى غايتين متناقضتين والتناقض داعية الفشل وباعثة الخيبة وهذا القالب الذي يُضرب عليه في تأديب النشء وتربيتهم إنما يخرج لنا رجالاً ذوي وجهين أدعياء وإذا عمت الدعوى فنحن خليقون أن لا ننخدع بها وكل سعي في هذا السبيل ذاهب أدراج الرياح.
بقيت التربية الخاصة أو الطبيعية ولكن أي غناء للناس في رجل لم يرب إلا لنفسه، ولو استطعنا أن نجمع في رجل واحد بين الغايتين ونوفق بين الغرضين بأن أزلنا مناقضات الحياة البشرية لذللنا بذلك كوؤداً ظاهراً في طريق سعادته وهذا أصلحك الله مطلب يقصر