المنتجين.

فانكشف بذلك دياجير العصور الوسطى وتبددت غيومها وأدجانها.

وبقدر سطوع ذلك النور وانتشاره اضطرت الكنيسة والإيمان إلى الانزواء والاستتار والاختفاء تدريجاً على ممر الأيام. وترتب على ذلك تناقض الفلاسفة الانكليز والفرنسيين وتخاصمهم وتضاربهم. وما زال دأبهم ذلك حتى ظهر إمام الفلسفة وعميدها وقطبها ومحورها الحكيم الأشهر والمنطقي الأكبر عميويل كانت الألماني في عهد فريدريك الكبير فنزع من الدين والإيمان عماده وسنده الذي كان قد استمده سالفاً من الفلسفة. فكانت نتيجة ذلك ما نراه في القرن التاسع عشر من وهن المسيحية وتضعضعها وتجردها من راسخ الاعتقاد وصحيح الإيمان ودفاعها للمحافظة على كيانها. وكفاحها لصون موضعها ومكانه. والملوك المذعورون المروعون يحاولون أثناء ذلك إنهاضها وإنعاشها وإمساك رمقها واستبقاء عنصر الحياة فيها كالمنبهات الصناعية كما يحاول الطبيب استحياء المحتضر بالأودية والعقاقير، ولا يخفين عليك أن العلم والدين ما برحا أثناء هذه الحوادث التي قد يبيّنها لك ينزا أحدهما من الآخر منزلة إحدى كفتي الميزان من الأخرى إذا شالت واحدة فلا بد أن ترجح الثانية. وهذا الميزان حساس للغاية بحيث يمثل لك التأثيرات الدقيقة الوقتية، فمن أمثلة ذلك أن غارات السلب والنهب التي قام بها لصوص الفرنسيس تحت زعامة اللص الأكبر نابليون بونابرت في أوائل القرن التاسع عشر وما تكلفته شعوب أوروبا من المجهودات العظيمة لرد عاديات أولئك اللصوص وغوائلهم وطردهم من حمى أملاكهم وحريم أوطانهم - كل ذلك أدى إلى إهمال العلوم الطبيعية وبالتالي إلى تقصير عظيم في نشر نتائج هذه العلوم ونشر آثارها. وإذ ذاك بدأت الكنيسة ترفع رأسها ثانياً وبدأ الإيمان ينتعش انتعاشاً شعرياً ملاءمة لروح ذلك العصر ثم نرى من جهة أخرى أن في خلال الثلاثين عاماً التي أعقبت ذلك العهد تمالأ الرخاء والفراغ على تشييد صرح العلوم ونشر المعارف بمقدار خارق للعادة مما أدى إلى ما قد ذكرت آنفاً من تصدع صرح الدين وتفسخ أركانه وإيذائه بالتهدم والسقوط، ولعل التنبؤ بزوال الدين قاطبة من العالم الأوروبي سيتحقق عن قريب فينسل الدين من أوروبا كما تنسل الحاضن من الطفل الذي كبر ونما وبلغ أشده - ثم يسند بعد ذلك أمره إلى معلم ومهذب ليثقفه ويقومه. ولا جرم فإن مذاهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015