أنك لا تحسد على هذا ولا تغبط. وأراك ستتخذ من هذه المرأة أبدالاً وأعواضاً ولكني أراك أيضاً ستندم يوماً ما على ما كان منك هذه الليلة:

ورب يوم بكيت فيه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه

إلا فاعلمن أن هذه المرأة كانت إذ طرقتك تلك الساعة وأنت نائم عاشقة لك لا محالة. ولعلها ليست عاشقة لك الآن إذ ربما تكون في حضن غيرك. ولكنها كانت تحبك في ذلك الأوان بذلك المكان وماذا يهمك غير ذلك؟ فلقد سنحت لك إذ ذاك فرصة من أسعد فرص الهر فأضعتها وما هي وربك بعائدة

كم من مؤخر فرصة قد أمكنت ... لغد وليس غد هلا بمؤات

حتى إذا فاتت وفات طلابها ... ذهبت عليها نفسها حسرت

أجل والله أن هذه المرأة لن تعود إليك. فإن المرأة لتغفر لكل إنسان إلا الذي زهد فيها. واحسب أن وجدها بك قد كان عظيماً هائل العظم إذ رفع بها إلى أن تلتمسك وتطلبك مع اعترافها لك بالجريمة وتوقعها منك الإباء والرفض إلا فاعلمن علم اليقين لتند من والله على إضاعتك هذه الفرصة فما أحسب أن الحظ بمثلها جواد الدهر يشبهها سخى.

لقد كان في كل ما قاله ديرينيه لهجة اعتقاد راسخ هدوء عميق وثقة تامة مما أزعج خاطري وراع قلبي وارتعدت له فرائضي أثناء إصغائي إليه. حتى لقد هممت وهو يتكلم أن أذهب ثانياً إلى دارها أو أكتب إليها لتأتيني. ولكني لم أستطع أن أنهض لتنفيذ هذه الرغبة - وبذلك سلمت من تعريض نفسي ثانياً لغضاضة مصادفتي إياها مع خصمي أو في انتظاره. ولكني كنت أملك القدرة على الكتابة إليها ثم سألت نفسي على الرغم مني هل هي مجيبتي إذا دعوتها.

ولما انصرف ديزينيه عراني من فرط الكرب والوجد ما عزمت معه على حسم الأمر بأية طريقة وعلى أية وجه. وبعد كفاح شديد بين إحساسي الحب والبغض في صدري تغلب الثاني على الأول فكتبت إليّ حبيبتي أني لن أراها بعد اليوم البتة. وسألتها أن لا تأتيني حتى لا تتحمل مضاضة إغلاق الباب في وجهها. ثم أعطيت الخادم الرسالة ليوصلها إليها. ولكنه ما كاد يغلق الباب خلفه حتى ناديته فلم يسمع ثم لم أجرؤ على ندائه مرة أخرى، فدفنت وجهي من بين يدي واستسلمت لليأس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015