فنظرت إليها. فما كان أجملها وأحلاها! لقد كانت كل أوصالها ترتجف وترتعد. وطوفان الدمع يفيض وينهمل من عينيها المحورين الممتلئتين حباً وشغفاً وغراماً. ونحرها عار وشفتاها تلتهبان وجداً وهياماً. فاحتملتها بين ذراعي وقلت فليكن كما تقولين. إني أشهد الله المطلع العليم وأقسم بروح أبي لأقتلنك ونفسي معاً ثم تناولت سكيناً من الرف ووضعته تحت الوسادة.
فمالت عليّ فقبلتني وقالت مبتسمة هلم يا أوكتاف. لا تكن أبله - هلم يا ولدي. إن هذه الأوهام تمرضك. وإنك محموم. فأعطني السكين
فعلمت أنها تريد أن تأخذ السكين. فقلت لها أصغي إلي. أنا لا أعرف من أنت. ولا أي رواية هزلية تمثلين. ولكني أعرف من نفسي أني لا أهزل ولا أمزح. لقد أحببتك كما لم يجب امرأة إنسان. ولا أزال - لسوء حظي ومن بلائي وسبب حتفي - أحبك حباً يدخل معي قبري. ولقد جثتني الآن تعرفينني أنك تحبينني. وهذا يسرني. ولكني أعرفك مع كل هذا أن في الحياة شيئاً مقدساً. فإذا كنت أنا حبيبك الليلة فلن يكون لك حبيب غداً. إني أشهد الله أني لن أجعلك حبيبتي من الغد لأني أبغضك بقدر ما أحبك. وإني أشهد الله أني لا أمتنع من قتلك غداة إذا شئت وهنا بدأت أهذي هذيان الحمى. فألقت رداءها على كتفيها وانطلقت من حجرتي تعدو عدواً.
ولما علم ديزينيه بهذا الحادث قال لي:
(لماذا رفضتها وصددت عنها؟ أنك لتمقتها أشد المقت. وأنها والله لمليحة حسناء.)
قلت له أتمزح؟ أنحسب أني أرتضي مثل هذه المرأة حبيبة لي وعشيقة؟ أم تحسب أني أقبل الشريك في الرفيقة؟ ألا تذكر أنها اعترفت بأنها ملكت نفسها رجلاً سواي. وهل نسيت أن بي من الوجد بها ما أرفض معه إلا امتلاكها أيضاً. إذا كان هذا مذهبك في الحب فأني لك راث وعليك باك)
فقال ديزينيه أنه لا يغالي في الحب إلى مثل هذا الحد. ولا يتطرف لمثل هذه الغاية.
ثم استرسل في هذا المعنى فقال (عزيزي أوكتاف. أنك لا تزال صبياً. فأنت مولع بها لا يكون في هذه الحياة، مشغوف بما لا يتفق مع أخلاق الزمان وطبائع الدهر. وأنت لا تؤمن إلا بمذهب واحد في الحب لعلك قد انفردت به من بين الملأ فلن تجد لك فيه شريكاً. على