اعترافات الفرد دي موسيه

كان من بين الموضوعات التي وقع عليها اختيارنا لنشرها مذ السنة الثانية للبيان اعترافات شاعر فرنسا الخالد الفرد دي موسيه - وقد نشرنا فعلاً من هذه الاعترافات الفصل الثالث والرابع - لأن الأول والثاني كمدخل لهذه الاعترافات، ولاعترافات نفسها إنما تبتدئ من الفصل الثالث، ثم سكتنا عن الاسترسال في نشرها لاشتغالنا بالموضوعات الأخرى التي كانت أهم في نظرنا بيد أن كثيراً من قراء البيان اليوم طلبوا إلينا ملحين أن نعود إلى ترجمة الاعترافات - ولأن العهد بالسنة الثانية قد طال وأصبح الكثير من قراء البيان اليوم غير قرائه بالأمس - لذلك لم يجد ندحة عن استئناف ترجمة هذه الاعترافات من أولها. والمحور الذي تدور هذه الاعترافات حوله هو التشهير بعصر الشاعر ومساوئه ومن هنا اسماها اعترافات فتى العصر.

(الفصل الثالث)

حضرة وليمة في دار بعض الناس، وكان حولي أصدقائي في الحلل الفاخرة. والحلى الباهرة. والمكان غاص بالفتيان والفتيات - يتلأ لأن جمالاً وبشراً، ويتألقن سروراً وحسناً. وعن يميني ويساري الأباريق والأقداح. والنرجس والأقاح. والألوان في الصحاف، والزجاج يجلو السلاف. وفرقة الموسيقى تصدح الألحان. كهديل الورق في الأغصان. وكانت تجلس أمامي على المائدة حبيبتي - وكانت من أمنح خلق الله وكنت بها صبا مستهاماً.

وكانت سني إذ ذاك تسعة عشر، وكنت في رخاء من العيش وصفاء من الدهر وأمان من النوائب. وكنت شاباً نبيلاً شريفاً، ومخلصاً صريحاً، مملوء الفؤاد بالأماني المستحيلة مما تفيض به قلوب الأحداث والشباب. وكانت الخمر قد دبت في عظامي والتهبت حمياها في عروقي. فكنت بتلك الحال التي يظل فيها المرء يبصر شخص حبيبته في كل ما تقع عليه عينه من المرئيات. فكأن الكون كله في نظرة جوهرة عظيمة لها ألف ألف وجه وعلى كل وجه يبدو وجه حبيبته. وكنت فرحاً مسروراً طرباً أحس كأن كل مخلوقات الله أخوة لي وأكاد أهم باعتناق كل من رأيته يبتسم. وكانت حبيبتي قد وعدتني اللقاء في تلك الليلة بعد؟؟؟؟؟ الحفلة. فرفعت شفة الكأس إلى شفتي أرتشف ريقتها، وفي تلك اللحظة نظرت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015