العالم والوجود وحياة البشر لأن هذا من أمس حاجات النفس البشرية ومما تشرئب إليه الأرواح بفطرتها وتتطلع. ولكنه يحتاجون إلى أن يكون هذا المذهب الباحث في هذه المسائل مذهباً مألوفاً وهذا لا يتأتي إلا بشرائط ومزايا - أهمها الوضوح والجلاء على أنه يجب مع ذلك أن يكون في بعض المواقع مبهماً غامضاً بل ملغزاً معمي لا يهتك الذهن حجبه ولا ينفذ الوهم إلى لبابه. وإلى هذا يضاف نظام أخلاقي صحيح مرض.

وأهم من كل ذلك هذا المذهب الآنف الذكر يجب أن يتضمن ذخراً وافراً من وسائل العزاء والسلوان وأسباب الترويح والترفيه يقدمها للإنسان في المحنة والمصاب والألم وعند حضور الوفاة. فينتج من هذا أن الدين ليس حقاً إلا من الوجهة الرمزية لا بالمعنى الحقيقي. وينبغي فوق ذلك أن يستعد سلطانه إلى الأذهان وروعته في القلب مما له من الثقة المكتسبة من تواتر الأجيال الحائزة لمزية الإجماع والإطباق المؤيدة بالآيات المدونة والصحف المأثورة - وهذه الصفات والمزايا مما يتعذر جمعه وتأليفه وضم شتاته - بحيث أن المفكر المدقق والمتأمل المحقق البعيد الأناة والروية إذا تدبر الأمر لا تطاوعه نفسه على التصدي لهدم أي دين ما وتقويض أركانه ولكنه جدير أن يرى الدين أنفس ذخيرة وأحسن عدة للسواد الأعظم من بني البشر.

فعلى من أراد انتقاد الدين أن لا يزال يذكر طبائع الجماهير التي من أجلهم وضع ويصور لنفسه فرط انحطاطهم الذهني والأخلاقي. وليعلم بعد أن وراء أكثف حجاب من سخيف الخرافات ومستنكر الشعائر والمناسك تلمع وتتألق جذوة من الحق كامنة في تلك السخافات كمون العطر في عوده والمسك في مادته وإن هذا الأرج الذكي يتعلق ويعبق بكل ما قد لامسه واتصل به.

خذ مثلاً على ذلك الحكمة النابغة والعظة البالغة الواردة في الأسفار المقدسة الهندية القديمة المسماة اليوبناشاد - اتظر إلى هذه الحكمة النابغة والعظة البالغة ثم حوّل عنها بصرك إلى شعائر الوثنية الجنونية الشائعة اليوم في بلاد الهند وما تتضمنه من المواكب والأعياد ورحلات الحجيج أو إلى جنونيات الطوائف الهندية العصرية المسماة السانياساي في مراسمهم الدينية ومناسكهم التعبدية. ومع ذلك فليس في وسعنا إنكار ما يكمن تحت كل هذه الجنونيات والسخافات من معنى هو في الحقيقة مطابق للحكمة البالغة الآنفة الذكر بل هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015