من الزور والباطل فهو تارة سر متأمله وأخرى يسوءه. ولذلك يجب علينا أن نعد الدين أذى لازماً وشراً لا بد منه وإن ضرورته مبنية على سخافة عقول العامة وضعف أذهانهم حتى أصبحوا بعجزهم عن إدراك الحقيقة محتاجين إلى ما يقوم وينوب عنه.

الفقيه - إنكم معشر الفلاسفة لتتكلمون كما لو كانت الحقيقة رهن أدنى إشارتكم تدعونها فتجيب وعلى متناولكم تمدون أيديكم فتأخذون بزمامها وتقبضون على ناصيتها.

الفيلسوف - إذا كنا لا نملكها فذلك والله راجع إليكم معشر الفقهاء إذ جعلتم من الدين في جميع الأمكنة والأزمان سلاسل وأغلالاً شللتم بها حركة الفلسفة وحبستم سعيها. ولم يكفنا إن منعنا الناس من نشرها أو النطق بها حتى حلنا بينهم وبين التصدي لها التفكير فيها واستكشافها بوضعنا أذهان الأطفال في نعومة أظفارهم في أيدي القسوس يعبثون بها كما شاؤا ويملأونها من السخافات والخرافات بما أرادوا - ويحفرون في أدمغتهم المسالك التي تخصص لمجرى الأفكار الأساسية والآراء الجوهرية في أمهات المسائل حفراً عميقاً يبقى ثابتاً معيناً أبد الدهر. وإني ليزعجني أحياناً ما أراه في مؤلفات الفطاحل من أكبر مفكري القرن السادس عشر والسابع عشر من شدة تقيد عقولهم وفرط اعتقال أذهانهم بعقائد التوراة والإنجيل - وأظهر ما يكون أثر هذا الأسر والاستعباد الذهني في نظري عقب تلاوتي مؤلفات المفكرين من فلاسفة المشرق. فأقوام يهيئون مثل هذه التهيئة العقيمة خلقاء أن لا يدركوا للفلسفة الصادقة أدنى معنى!

الفقيه - وعلى فرض إمكان التوفق إلى هذه الفلسفة الصادقة فإن ذلك لا يقتضي إلغاء الديانة كما تتوهم إذ لا يمكن اشتراك الناس أجمع في مذهب فلسفي وأحد لاختلاف طبائع الأذهان وتعدد أساليب التعليم والتربية. ولا بد أن ينصرف السواد الأعظم من الناس إلى الاعمال الدينية البدنية الشاقة التي عليها المدار والمعول في سد حاجات النوع البشري ففضلاً عن أن هذا يحرم أغلبية الناس الوقت اللازم للتربية والتعليم والتفكير والتأمل ولكنه بسبب ما هنالك من التباين والتناقض بين القوى الجثمانية البحتة والقوى الذهنية المحضة قد تقرر أن الإفراط في المجهودات البدنية ببلد الذهن وبرده ثقيلاً كثيفاً وبالتالي عاجزاً عن أن يدرك من المعاني إلا الساذج البسيط والملموس المحس. وعلى هذا النحو تسعة أعشار العالم - إن الناس يحتاجون إلى مذهب عن العالم الغيبي أو فيما وراء الطبيعة أعني أصل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015