في ميزانية الأمة، وليس شيء يخيف أشد مما تخيف الأرقام، وهي وسائل الإقناع القوي المتين الذي لا يمكن لمحاج أن يماري فيه.
في خلال المدة من أكتوبر سنة 1917 أعني مبدأ تاريخ الثورة البلشفية، على نوفمبر سنة 1918 استولت الحكومة البولشفية على 513 مشروعاً من مشاريع النقل والتجارة ولذلك نقص مقدار الضريبة المقررة على الصناعة والتجارة إلى واحد وتسعين مليوناُ من الروبلات على حين كان في العام الذي سبقه قد بلغ 304 مليوناً، وقد تعطلت الإيرادات العمومية بتة واحدة إذ لم ييق ثمت ما تجمع الضريبة المقررة عليه، وقد قدرت حكومة البولشفيك للمصروفات التي يتوقع صرفها عام 1918 مبلع 46 ملياراً ونصف مليار روبل أعني نحو مائة مليار وخمسة مليارات فرنك ولما لم يجد البولشفيون إيراداً داخلياً ولا إيراداً خارجياً، فكروا في إصدار الأوراق المالية فجعلت تطبع في موسكو وبطرغراد ثم لم تلبث جميع مطابع السوفييت أن راحت تطبع هذه الملايين العديدة من تلكم الأوراق فتصور الإفلاس الذي سيجره إصدار جبال من الأوراق المالية.
الاضطرابات الزراعية
وقد وقفت رحى الأعمال الزراعية، وسكنت نأمتها، وارتفع من جانب المدائن هذا الصوت الضاج الصارح، لا تتركونا نموت من الجوع، إنكم إن لم ترسلوا لنا الطعام والميرة، كنتم تؤيدون النظام الأول الذي قامت الثورة لتهدمه.
ولكن الفلاحين ظلوا صامتين لم يأبهوا بهذه الصرخات، وقنعوا بأن يخرجوا الشعير اللازم لحاجتهم والبرسيم المطلوب لحيوانهم. إذ علموا أنهم إن حفظوا شيئاً توقعاً لمحصول سيء في المستقبل، فقد يستدل عليه الحرس الأحمر فيضربونهم بالرصاص هم وعشائرهم كي يستلبوه منهم استلاباً، ففي بطرغراد مثلاً - وهي تلك المدينة التي كانت قبل الحرب مدينة الثراء والنعمة والخير العميم، وكانت مواد البيع فيها رخيصة بخسة لا إرهاق فيها لم يكن يصل في شهر إبرايل عام 1919 إلا مركبتان أو مركبة واحدة من القمح في كل يوم، إذا لم يقدر للمركبة أو المركبتين أن يهاجمها الحرس الأحمر في الطريق فيستلبوها أو يثب إليها سكان المدن التي على الطريق فيحتكروها لأنفسهم ثم في سيبريا وهي الإقليم الذي كان يمد روسيا كلها بالماشية والأغنام، لم تعد ترسل لا بقرة ولا ثوراً، ولا خنزيراً ولا شاة