فبعد أن تنقلت بين معاطف ودروب القصر لم أشهدها من قبل هبطت وأنا في آثارها سلماً هاوية حتى بلغت الطابق الذي دون أقبية الخمر ومخازن الفحم في الدار إلى أن دخلت إلى قبة رطبة تحت الأرض، وثمت وقفت ووضعت المشعل جانباً، وانزويت أنا في ركن أتخفى وأتسمع.

وإذ ذاك تذكرت ما كنت أسمع عنها من أنها تتصل بالسحرة وتدرك أفانين السحر، فجمد الدم في عروقي، وذهبت نفسي شعاعاً، ورأيتها في تلك اللحظة قد جثمت فوق أديم الأرض وفتحت ذراعيها وجعلت تتمتم ألفاظاً لم أسمعها بصوت أجش غريب وإذا بلهب من النيران قد انشقت عنها الأرض، وتصاعدت سحب من الدخان كثيفة ولم يلبث أن بدد السكون السائد صوت عظيم هز أساس الدار وللحال رأيت ستة أشباح سود تخرج من الظلمات تحمل محفة من محفات الموتى وأبصرت فوقها كما رأيتها الليلة الماضية في ثوبها الدمقسي الجميل، وفي ريشها الناعم الأشهب، سيسليا بعينها، وكانت مغمضة الجفن، وقد سكنت أهدابها عن الحركة فوق خد ذابل ووجنة صفراء، وهي جامدة لا تحرك ساكناً.

فلم أستطع قبالة هذا المنظر المخيف والمشهد الفاجع أن أمسك نفسي عن الصراخ، ووثبت من مكمني، ورأتني زوجتي فطفرت من جثومها واندفعت صوبي وصرخت في وجهي: أيها الوغد ماذا جاء بك على هذا المكان وأية لعنة ساقتك إليه. وما كادت تتم هذه الكلم حتى همت بعنقي وأرادت خنقي فتململت وأردت الخلاص ومن قبضة يدها، فما أفلحت، وكانت حياتي تندفع من عنقي، وروحي تجري مصعدة إلى نحري، ولكنها لم تلبث فجأة أن تراخت يداها وسقطت إلى الأرض مغشياً عليها.

فلما صحوت من غشيتي رأيت على هدي المشعل قزماً صغيراً في ثوبه السندسي يخطو فوق جثتها وهو يحمل سيفاً يلوح به في الهواء وللحال تبينت من وجهه صاحبي الجني الذي وهبني الخاتم منذ ستة أشهر منصرمة، وعلمت إذ ذاك أنه طعن زوجتي بسيفه وبذلك خلصني من مخالبها في اللحظة التي كانت حياتي معلقة بها.

فبعد أن حمدته أجمل الحمد سألته أن يدلني على السبيل التي نتخلص بها من جثة المرأة.

فأجاب: دع ذلك. والآن وقد كاد الصباح ينبثق من صميم الفجر لا بد لي من الانصراف، نبئني هل تريد أن تعود إلى حياتك الماضية ولون عيشك الأول، وترد إلى الدنيا رجلاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015