أما من الوجوه الاجتماعية ومراتب الناس في الإسلام فإن الغني يعد حامي ذمار الفقير، وحارسه ونصيره، وللفقير أن يجلس إلى موائد الغني، ويشاركه الطعام في مباهج الخوان، ولا تجدن في الجماعة الإسلامية أي فرق أو أي بون بين الفقير والغني يبعث على الكراهية، ويستنفر الحب والولاء، بل ترى العبد الرق في الدار يعد عضواً من أعضائها، والمولى فرداً من هل العشيرة، بل أن للموالي الفرص السانحة للظفر بمراكز في الحكومة أو نيل مكان طيب في الجماعة، قلما يصيب مثله الصعلوك في مدنيات الغرب، والطعام مكفول لمن يحتاج إليه، يوهب لمن يعوزه، بل أن إعطاء الصدقات في الدين الإسلامي، كما هو في دين بوذا يجعل المتصدق الواهب مديناً للفقير الذي أصاب منه تلك الصدقات، لأن التصدق يعين صاحبه على تنمية روح الخير في فؤاده، ويبعث في نفسه ملكة العطف والرفق، فإنك تجد البراهمة يشكرون الفقير الذي يطرق أبواب بيوتهم سائلاً الحسنة، مستجدياً معتراً طالباً القرى والضيافة، لأنه مهد لهم بذلك الفرصة لتأدية الخير وإيتاء الزكاة، والرضوخ بالصدقات. وترى الخدم في الإسلام إن أكلوا بعد مواليهم وجلسوا إلى الطعام بعد أن يرفع خوان سادتهم، لا يزالون يصيبون في المآكل قدر ما يصيب أولئك ويشاركونهم في ألوان الأطعمة وصحاف المائدة، وتجد في المسجد والمصلى المساواة بين العابدين تامة، فلا مقاعد من ناحية تخص السروات، ولا أماكن خاصة مهيأة للأغنياء وأهل المراتب السنية في الحياة، بل الجميع في المسجد سواء يأتمون بالإمام في صلواتهم أو يقفون خلف أي مسلم منهم يندبونه للإمامة، وليس أروع ولا أجل منظراً من رؤية جمع من المسلمين وهم في صلاتهم خاشعون وقوف في صمت وسكون ورفق ونظام، وأنت ترى الشعب الإنكليزي يكره الرسوم والمظاهر الخارجية، والرياء والتصنع في الشرائع والسنن ولكن الإنكليز كثيراً ما يكونون عبدة لألفاظ القوانين، تاركين روحها ومعناها التي يراد منها، وقد يصح أن نقول أن حب الإنكليز للتدقيق والاختصار لا يزال مصدر شر كثير، واصل بلاء عظيم، فإذا كانت الصدقة في معناها الأكبر رأس الفضائل فإن تلك الرسوم التي تحوط أمر جمعها وتوزيعها في هذه الأمة البريطانية تذهب بجمالها وتفقدها الوجه الجليل الرائع منها، ونحن قلما ندرك أن القوانين إنما وضعت لإرشاد الناس جميعاً، وأن نصوص تلك القوانين وألفاظها وظواهرها الخارجية لا ينبغي أن تكون لها سلطان علينا،