فتفرس الشيخ في وجهها متهجماً وأخذ المصباح فتقدم به إلى السرير وجعل يفحص الجثة في صمت. واستمر الشاب في حديثه دون أن يخفي الإهتمام الذي بدأ يظهر عليه نحو المرأة الجميلة الواقفة بإزائه.
قال مغفرةً يا سيدتي وسماحة. إن شابة مثلك في ريعان العمر ليست خليقة بأن تكون في هذا المكان وحدها ونحن في زمان الحرب.
وأنقذها من الجواب على سؤاله ضجيج قام في الحجرة الثانية إذ سمعت أصوات الجرحى ترتفع بالإحتجاج والشكوى وأصوات الضباط الخشنة تأمرهم بالسكوت، فأنساها ذلك موقفها وتملكتها الرحمة فرفعت الستر تريد أن تدخل المطبخ وإذا بها أمام حارس ألماني قد اعترض طريقها عند الباب يمنعها من الخروج. وتقدم الشاب الإنكليزي منها متأدباً فسألها عن غرضها من دخول المطبخ.
فقالت بلهجة مؤثرة محزنة واهاً للجرحى المساكين. واهاً للجرحى المساكين وقبل أن يقول الشاب كلمة مشى الجراح الشيخ نحوها فواجهها بغلظة وخشونة لا شغل لك بالجرحى المساكين. فهذا شغلي أنا. إنهم أسرانا وسينقلون إلى مستشفياتنا. أنا اجنتياس ويتزل رئيس القسم الطبي. أقول لك هذا. فامسكي عليك لسانك، ثم دلف إلى الحارس فقال أسدل الستار وإذا أصرت المرأة على الخروج فادفعها بيديك. فحاولت مرسى أن تحتج ولكن الشاب الإنكليزي أخذ ذراعها بأدب وابتعد بها عن الحارس فقال لا تنفع المغالبة الآن يا سيدتي ولا ينشغلن بالك من أمر الجرحى الفرنسويين فسيعنى ولا ريب بحالهم.
ورأى الدموع تفيض من عينيها فأخذ إعجابه بها يكبر ويزداد وهو يقول في نفسه رحيمة وحسناء معاص. يا لها من فاتنة.
وحدجها الجراح بنظره من خلال زجاجته وقال والآن هل اقتنعت وهلا أمسكت عليك لسانك؟ فاستسلمت إذ عرفت أنه لا يجدي الإحتجاج فمشت مقطبة الجبين إلى مقعد هناك فجلست فوقه وتبعها الشاب مسترسلاً في حديثه.
قال ولا تظني أني أريد أن أزعجك بل إني أكرر القول بأن لا حاجة إلى القلق على الجرحى الفرنسويين وموقفك أنت أدعى إلى القلق. . إن القتال ولا ريب قائم غداً على نور النهار فينبغي أن تكوني منه في معصم. إني ضابط في الجيش الإنكليزي واسمي - هو