لقد أصبح من ضروب المحال أن تتعدى الأمة حدودها فتفيض في سلام على جاراتها وذلك لأن الحال واحدة جميع أوربا ومشكلة إحدى الأمم هي عين مشكلة جارتها. وكذلك استعمال القوة لا يجدي ولا يفيد. إذ أن المدنية تكون قد ارتفعت في جميع الأرجاء إلى مستوى واحد وقد تشابهت العادات والنظامات. والمواصلات السهلة الرخيصة الجمة قد عقدت بين الشعوب للألفة والصداقة ألف ألف آصرة وعروة. حتى لقد يعن من أكبر الجرائم مد الأيدي إلى الأملاك الأجنبية - بل هو فضلاً عما فيه من الإجرام يرى ضروباً من المخاطرة الحمقاء والمجازفة الخرقاء. وذلك لاشتمال كافة الدول الأوربية على عين الأسلحة الفتاكة المبيدة وعين أساليب الدفاع والقتال، فإذا اشتبكت أمة مع أخرى في ساحة الوغى لتسلبها جزأ من أرضها فمعنى هذا أن الأمة المذكورة إنما تقدم فضلة أبنائها جزراً لحد الحسام وطعمة الفوهة المدفع وقرباناً لإله الحرب، وفضلاً عن ذلك فلن يكون ثمة بين الشعوب عداوة جنسية لأن استواء الأمم في التفقه والتأدب ودوام تبادلهم الأفكار والآراء يريهم أنهم أفراد أسرة واحدة، فكما أن إحدى المقاطعات من فرنسا أو انكلترا لا يخطر ببالها أن تشن الغارة على إحدى جاراتها من المقاطعات لتطرد أهلها وتستولي على أرضهم كذلك لا يخطر قط ببال أمة أوربية في المستقبل أن تفعل مثل هذا بإحدى جاراتها.
إذن فماذا يصنع لحل مشكلة التموين؟ هنا يتقدم إلى حل العضلة قانون معروف من قوانين الطبيعة، وذلك أن فضلة أهالي أوربا تفيض من القارة الأوربية في الاتجاه الذي هو أدنى مقاومة من غيره أعني تلقاء الأمم الملونة السوداء والصفراء والحمراء، وهؤلاء بحكم الضرورة يقضي عليهم بإخلاء أماكنهم للأمم البيض ثم يعقب ذلك اضمحلالهم فانقراضهم، فإن استواء طبقة الحضارة والمدنية الذي بفضله ترى الأمم الأوربية متشابهة متماثلة لن يوجد بين هؤلاء وبين الشعوب الملونة، فاستعمال القوة العديم الفائدة في أوربا يأتي بأجزل الفائدة وأسرعها في أراضي الأمم الحمراء والسوداء والصفراء، فينزل الأوربي بهذه الأقاليم في المنطقة المعتدلة التي هي أصلح المناطق له وأليقها به، ثم لا ينزل وراءها أبعد مما تضطره إليه الحاجة، فأول ما يستعمر أمريكا الشمالية واستراليا ثم جنوبي أمريكا وأفريقيا فيما يلي المنطقة الحارة، وبعد ذلك يستولي على ساحل بحر الروم الجنوبي وينفذ إلى الترب الكريمة من آسيا، فيحاول الأهالي المقاومة أولاً مثل يرون أن لا حيلة سوى