إلى اشبيلية وجعل موعده أمام طريانة للاجتماع معه ثم زحف الازفونش بنفسه في جيش آخر عرمرم فسلك طريقاً غير الطريق التي سلكها الآخر وكلاهما عاث في البلاد وخرب ودمر حتى اجتمعا لموعدهما بضفة النهر الأعظم قبالة قصر ابن عباد.
وفي أيام مقامه هنالك كتب إلى ابن عباد زاريا عليه - كثر بطول مقامي في مجلسي الذباب واشتد على الحر فأتحفني من قصرك بمروحة أروح بها على نفسي وأطرد بها الذباب عن وجهي فوقع له ابن عباد بخط يده في ظهر الرقعة قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية تروح منك لا تروح عليك إن شاء الله
فلما وصلت الأذفونش رسالة ابن عباد وقرئت عليه وعلم مقتضاها أطرق إطراق من لم يخطر له ذلك ببال وفشا في الأندلس توقيع ابن عباد وما أظهر من العزيمة على جواز يوسف ابن تاشفين والاستظهار به على العدو فاستبشر الناس وفرحوا بذلك وفتحت لهم أبواب الآمال وأما ملوك طوائف الأندلس. فلما تحققوا عزم ابن عباد حذروه عاقبة ذلك وقالوا له الملك عقيم السيفان لا يجتمعان في غمد واحد فأجابهم ابن عباد بكلمته السائرة رعي الجمال خير من رعي الخنازير ومعناه أن كونه مأكولاً ليوسف بن تاشفين أسيراً يرعى جماله في الصحراء خير من أن يكون ممزقاً للاذفونش أسيراً له يرعى خنازيره في قشتالة. وقال لعذاله يا قوم إني من أمري على حالين حالة يقين وحالة شك ولا بد لي من إحداهما أما حالة الشك فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى الاذفونش في الممكن أن يفي لي ويبقى على وفائه وفي الممكن أن لا يفعل فهذه حالة شك. وأما حالة اليقين فإن إن استندت إلى ابن تاشفين فإني أرضي الله وإن استندت إلى الاذفونش أسخطت الله تعالى فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآتي ما يسخطه فقصر أصحابه عن لومه ولما عزم أمر صاحب بطليوس المتوكل عمر بن محمد وعبد الله بن حبوس الصنهاجي صاحب غرناطة أن يبعث إليه كل منهما قاضي حضرته ففعلا واستحضر قاضي الجماعة بقرطبة أبا بكر عبيد الله بن أدهم وكان أعقل أهل زمانه فلما اجتمع عنده القضاة باشبيلية أضاف إليهم وزيره أبا بكر بن زيدون وعرفهم أربعتهم أنهم رسله إلى يوسف بن تاشفين وأسند إلى القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف بن تاشفين وترغيبه في الجهاد وأسند إلى وزيره مالا بد منه في تلك السفارة من إبرام العقود