يا سادة أن أدلي إليكم بنصيحة، إذا قدر لأحدكم أن يعاني ما عانيت ذلك المساء فليثق من تغطية مرايا الحجرة التي هو بها وليغطها كما تغطى إذا مات في البيت ميت نعم احجبوها وأجيدوا الحجاب!.
ولا أذكر بعد ذلك شيئاً حتى وصول الشرط، وسألت كم الوقت فإنما نحن في التاسعة، فكدت لا أصدق بأنه لم يمض على قتل الكسيز إلا ثلاث ساعات فقط وإن كنت أتذكر فلا أذكر إلا شيئاً واحداً، هو خاطري، هو الصوت (إن الدكتور كرجنتزف ظن أنه قد تظاهر بالجنون وما كان في الحقيقة إلا مجنوناً).
وعند ذلك جسست نبضي فإذا هو مائة وثمانون، نعم، إن مجرد ذكرى ذلك الصوت كان كافياً لأن يثير دقات نبضي إلى هذا الحد.
ـ 6 ـ
والآن يا أساطين العلم وأرباب البحث إن منكم أطلب الجواب، هل أنا مجنون أم غير مجنون؟ إنكم ولا ريب ستنقسمون في أحكامكم، سيقول البعض رأياً، ويقول البعض الآخر نقيضه، ولكني أعدكم يا سادتي أن أصدقكم جميعاً، فأعطوني فقط آراءكم وها أنا أقص عليكم كذلك تافهة أخرى، ولكنها حادثة هامة قد نعين أذهانكم المنيرة وعقولكم الخصبة اليانعة.
في ذات مساء هادئ ساذج، بين هذه الجدران البيضاء لاحظت أن الممرضة ما كانت تنظر نظرات خائفة مذعورة مضطربة كأنما انزعجت من شيء مخيف، وتركت الحجرة فظللت وحيداً جالساً فوق الفراش وهنا جعلت أفكر وبدا لي أنني أريد أن أعمل أعمالاً غريبة - نعم، أنا الدكتور كرجنتزف أردت أن أنبح، نعم، لا أصرخ بل أنبح، كما يفعل الآخرون، أردت أن أمزق ثيابي وأجرح وجهي وأخدش، أردت أن آخذ بتلابيب القميص وأشقه شقتين حتى الحاشية، وأنا، أنا الدكتور كرجنتزف، أردت أن أنزل على راحتي وركبتي وأزحف! وكان السكون حولي سائداً، وقطع البرد تلمع فوق زجاج النوافذ، وعن كثب مني كانت ما تصلى لله في صمت، فلبثت مدة أعرض على ذهني أي عمل من هذه الأعمال، أن نبحث أثرت ضوضاء وضحكاً وسخرية، وإذا مزقت قميصي عرفت في اليوم التالي، وبكل تعقل وتدبير أردت أن أحقق الرغبة الثالثة، وهي أن أزحف، نعم لن يسمعني أحد وإذا جاء