ويرعب) ولكني طردت هذا الخاطر في الحال، ومع ذلك غادر في إحساساً غريباً، وشعرت ببرودة في ظهري ومفاصلي، وجعلت أعلل نفسي بأن ماريا علمت ولا ريب بمرضي من أهل البلد أو من ألسنة الخدم، أو لعلها لاحظت ملابسي الممزقة التي خلعتها عني، فكان ذلك داعياً لهذا الرعب الذي أبدت، فقلت (اذهبي!).
فلما تولت مددت جسمي على المقعد الطويل أمام مكتبي، ولكنني لم أشعر بميل إلى القراءة، بل أحسست بتراخ ووهن شديدين، كما يكون من الممثل بعد الإبداع في دوره. وثقل جفناي، وتراخت أهدابي وشعرت بطائف النوم وإذا بخاطر جديد قد نفذ إلى رأسي، جعل ينساب بطيئاً بليداً متكاسلاً، وكان له كل المزايا التي امتازت بها خواطري - الوضوح والإيجاز والبساطة، نعم نفذ إلى رأسي واستقر، وها أنا ألقيه إليكم أيها السادة حرفاً بحرف، في صورة الغائب، وهكذا خطر لي، وإن كنت لا أعرف السبب، وهذا هو (إن من المحتمل جداً أن الدكتور كرجنترف حقاً مجنون. هو ظن أنه قد تظاهر بالجنون ولكنه في الحقيقة مجنون. إنه في هذه اللحظة مجنون وأعاد هذا الخاطر نفسه في ذهني ثلاث مرات أو أربع، وظللت أضحك، لأنني لم أفهم (إنه ظن أنه قد تظاهر بالجنون. ولكنه في الحقيقة مجنون، إنه في هذه اللحظة مجنون).
وتوهمت أول الأمر أن هذه الكلمات قالتها ماريا، إذ بد إلى أن الكلمات قد وجدت صوتاً. وإن هذا الصوت يشبه صوتها، ثم ظننت أنه صوت الكسيز، نعم صوت القتيل الكسيز، وأخيراً تبينت أنني أنا الذي رددت هذا الخاطر، وكان هذا شنيعاً مرعباً.
هنا أمسكت بشعر رأسي ووثبت واقفاً في بهرة الحجرة أقول (هو ذلك. انتهى كل شيء! لقد وقع الذي خفت أن يكون، إنني اقتربت من الحدود ودانيت، والآن لا يحفظ لي المستقبل إلا شيئاً واحداً. . . هو الجنون!).
فلما جاءوا للقبض على كنت كما يظهر في حالة مخيفة رهيبة، كان وجهي المتوحش الشاحب تقشعر لرؤيته الأبدان، كانت ملابسي ممزقة قطعاً وإرباً، ولكن أنشدكم الله يا سادة، أن رجلاً يقضي مثلي المساء المخيف الذي قضيت دون أن يجن عقله، ألا يدل ذلك على أن لي عقلاً قوياً جباراً صلباً؟.
إنني لم أحدث شيئاً أكثر من تمزيق ثيابي وتحطيم الزجاج، وعلى ذكر الزجاج اسمحوا لي