جاء بها من أوهام الأغريق القديمة وخرافاتهم وخزعبلاتهم. فقد اكتفى العرب بترجمتها إلى السوريانية لينفقوا غلة الباحثين منهم والمستطلعين. ونقل المنصور (753 - 775م) مقر حكومته إلى بغداد. وقد جعلها حاضرة زاهية زاهرة وصرف كثيراً من زمانه في دراسة علم الفلك والدأب في تقدمه وتهذيبه. وأسس مدارس للطلب ومعاهد للشريعة. واحتذى حفيده الرشيد (786م) حذوه. واقتفى أثره. فأمر أن يلحق بكل مسجد مدرسة. ولكن العهد الأوغسطي في بلاد العرب لم يكن إلا عهد الخليفة المأمون (813 - 832م) إذ جعل بغداد مقراً للعلم ومهبطاً. وجمع المكاتب الكبرى وقرب إليه البحاثة وأدنى من جانبه العلماء.

هذا وقد استمر الارتقاء العلمي حتى انقسام الدولة العربية إثر الخلافات الداخلية إلى ثلاثة أجزاء. الدولة العباسية في آسيا والفاطمية في مصر. والأموية في اسبانيا. وأصبحت هذه الدول الثلاث تتنافس في الآداب والعلوم تنافسها في السياسة والملك.

أما في الأدب فإن العرب طرقوا من أبوابه كل ما يهذب الذهن ويبهج الروح. وقد كان فخرهم في عهودهم الأخيرة إنهم أخرجوا من الشعراء ما لم تخرجه أمم العالم مجتمعة. وأما في العلم فكل مقدرتهم تنحصر في أنهم هذبوه على مثال اليونانيين الإسكندريين. لا على مثال اليونانيين الأوروبيين. إذ رأوا أن العلم لا يتقدم آخر الدهر بمجرد النظريات بل بالبحث العملي في قوي الطبيعة وأسرارها. وأكبر مميزات طريقتهم العلمية التجربة والاستقراء. فأما الهندسة والعلوم الرياضية فقد عدوها وسائل لاتساع الذهن وتقوية التصور والتعقل. وإنك لتشهد في عديد مؤلفاتهم في الميكانيكا وعلم الهيدر وستاتك أي علم نواميس التوازن في السوائل وعلم الضوء إن حل مسألة أو مشكلة تختص بعلم من هذه العلوم لم يكن إلا بإقامة تجربة أو باستقراء آلي. ومن ذلك كان العرب واضعي علم الكيمياء. وتوصلوا به إلى اختراع كل أنواع المعدات لمسائل التقطير والإذابة والتصعيد وغيرها. وقد أدى كل ذلك إلى أن استعانوا في علوم الفلك بالآلات الدقيقة المتحللة كالأسطرلاب ومقياس الزوايا وإلى استعمال الميزان وكانوا أعلم بنظرياته وأخبر. وإلى إنشائهم مراصد للفلك مثل التي كانت في بغداد واسبانيا وسمرقند. وانتهى بهم ذلك إلى تقدمهم في الهندسة وحساب المثلثات وإلى اختراع علم الجبر واتخاذ الأرقام الهندية في الحساب - تلك هي النتائج التي نشأت من اختيارهم الطريقة الاستنباطية التي سنها أرسطو واجتنابهم أحلام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015