هذا المطلب لظل الإنسان عن بربريته. ولما كان له من المدينة نصيب. وانحطاط الأمة يبتدي يوم لا تملك الآم لنفسها مثلاً أعلى تحترمه بجملتها. يدفع كل فرد منها بنفسه في سبيل حمايته والذود عنه.

وقد كان المثل الأعلى الذي أنشأه محمد مثلاً دينياً من كل وجوهه. وامتازت الجولة التي أسسها العرب بهذه الميزة المنفردة. ذلك أنها كانت الدولة العظيمة الفذة التي قامت باسم الدين ومن الدين استخلصت جميع أنظمتها السياسية والاجتماعية.

ولكن أيكفي هذا العامل الأكبر. ونعني به المثل الأعلى. وتلك العوامل التي جئنا بها من قبل. لبيان عظمة العرب؟.

كلا. فنحن لم نستغرق في كل ما قلنا إلا لحظة واحدة. لقد قلنا تداعى العالم القديم. تاهبت لفتحه أمة حافلة بالصفات الحربية مجتمعة عصبة واحدة برباط دين عام بقي عليها أن تقوم بالفتح المبين. وأن تعمل فوق ذلك على حراسة هذا الفتح وحمايته.

ونحن رأينا كيف كانت فتوحات العرب. وكيف كانت غزواتهم. كيف خرجوا من بلاد العرب فانهزموا بادئ بدء إزاء وراث العظمة اليونانية الرومانية. فلم يهن بأسهم ولا تولت شجاعته. بل تعلموا من غالبيهم. وأخذوا عن هازميهم. حتى إذ أصبحوا من الوجهة الحربية أكفاءهم. ومضوا بعد ذلك في الوغى أقرانهم وأضرابهم. لم يعد هناك موضع للشك في فوزهم.

ذلك لأن كل جندي في جيش العرب كان على أهبة أن يهب روحه ومهجته في سبيل انتصار الفكرة التي كان يقاتل في الهيجاء ويجاهد تحت درعها. على حين كانت التضحية وبذل المهج والحمية والعقيدة قد أسلمت الروح في جيوش الروم منذ أمد مديد.

لقد كان من الجائز أن تطمس الانتصارات الأولى على أبصار العرب وتضرب على أعينهم. فتقودهم إلى التطرف شأن كل غالب. وحال كل منتصر فائز. ويحملهم فوق ذلك على أن يسيئوا معاملة المهزومين. ويكرموهم على اعتناق الدين الجديد الذي نهدوا النشرة في أرجاء العالم وفجاجة التي لم تخضع بعد لحكمهم. ولم تذل لصولتهم.

ولكن العرب أصابوا الحزم في تجنب هذا التألب الداهم. وتحامي هذه التهلكة الجلل. التي لم يعرف الصليبيون كيف يتجنبونها ويتفادون من شرها. يوم جاء دورهم فنفذوا إلى الشام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015