الأمر ومشقته، وليس في مكنة الظروف إلا أن تذلل السبيل إلى إنشاء دولة جديدة، وأحداث مدنية طريفة، وينبغي أن يكون من وراء الظروف عوامل أخرى ضرورية نحن الآن آخذون في تقريرها.
ففي رأس هذه العوامل تأثير الجنس، وقد أثبتنا أن خير ما يشخص الأمة ويميزها أن يكون لها مقدار معين من العواطف والاستعدادات والأميال المشتركة، تتغلغل في أفرادها، وتسوق سعيهم وجهدهم إلى مطلب واجد، ومعنى فذ. ومجموع هذه العواطف المشتركة، الناشئة من تراكم الصفات المتوارثة، وأعني بها الخلق الأهلي، هو الوراثة عن ماض لكل من آبائنا وأسلافنا يد في إنشائه، ونحن كذلك نعمل على تكوينه لولدنا وأخلافنا، والخلق بالأهلي وإن اختلف في كل أمة، فقليل الاختلاف بين بنى الجلدة والواحدة، وأهل البلد الواحد.
ولا مراء في أن على هذه العناصر الأساسية للخلق الأهلي، يبني كل جيل، وينشئ كل عهد، ويشيد كل عصر، ولكن بنسبة هي من الضعف والقلة بحيث تحتاج إلى تصرم القرون والأجيال التي ينتج تكاثر هذه التطورات تغيراً محسوساً، وقد يبدو للناس في بعض الأحايين أن التربية والوسط والظروف تحدث بجملتها تغيرات سريعة، ولكنها في الحقيقة لا تلبث أن تزول، لأنها عرضية.
على أن المميزات الأخلاقية والخصائص الفكرية لشعب من الشعوب هي كخصائص الأنواع ومميزاتها الطبيعية ثبوتاً ورسوخاً، ونحن نعرف اليوم أن خصائص الأنواع تنتهي على مر الزمان بالتغير والتحول، ولكن تغيرها نهاية في البطء حتى عدها علماء الطبيعة كأن لا تحويل لها ولا تبديل.
وقد حاولت في مؤلف لي أن أثبت أن ليس بقوة الذهن، وإنما بارتباط العواطف وتوحدها، يتألف الخلق، وما الخلق إلا الأساس الذي تبنى عليه الأمة، ومن ثم كان حقاً على من أراد أن يتوصل إلى شرح الأدوار التي يلعبها الأفراد والشعوب على مسرح التاريخ أن يبدأ بفحص خلقهم واستقرائه، فإن الحكم الذي أدلى به قيصر، ووسم به أبناء فرنسا الأولين، وهو حب الثورات، والميل إلى خوض غمرات الحروب، من غير داع ولا سبب، والاستسلام لأحداث الزمان ليشرح الحوادث التي وقعت لها في ماضينا.
وإن من السهل الرجوع إلى التاريخ للاستشهاد بأن نتائج الخلق تختلف تبعاً للظروف وإن