ناهياً للإنسان عن الشراب قضي عليه بالموت والفناء أو يعافها كما يعاف ماء البرك والمستنقعات.

يتخذ بعض الناس لذتي الحب والطعام غرضين يتطلبونهما لذاتهما ويقصرون سعيهم على الإبعاد في طلبهما ولا هم لهم إلا الإلتذاذ والتنعم بيد أنه قد أثبت الطب أنهما وسيلتان يستعين بهما بعض الأعضاء على إنجاز وظائفها فالغرض الذي من أجله وجدت لذة الحب هو المحافظة على بناء النوع الإنساني والغرض من لذة الطعام هو حفظ حياة الفرد ومن قصر أغراضه على هاتين اللذتين وتطلبهما لذاتهما غير معني بتحقيق الغرض منها عرض نفسه وأمته إلى الموت والفناء ولذا ترى بعض الأمم سائرة الآن في طريق الفناء والإنقراض.

هنا انتهينا من الكلام على الحاسة الجثمانية ونحن بادئون الآن بالبحث في الشعور النفساني من ألم ولذة وقبل أن نخوض في هذا الموضوع لا يفوتنا أن نلاحظ أن الألم النفساني نوعان تعب وملل فالأول حينما يجهد الإنسان قواه لإدراك غرض له ولم ينله والثاني حينما لا تجد مداركنا شيئاً يشغلها ويحملها على القيام بواجبها.

الإنسان مسوق بطبعه إلى الحركة والعمل وإعمال الفكر وهذا ينبيء بأن للحركة قصداً تنشده وللفكر غرضاً يسعى إليه. يفيض القلب حبنا بالعواطف الشريفة ولا يجد من يبذلها له ألا ترى الناس يعمدون إلى أمور تكون ملهاة لقلوبهم وعقولهم إلى أخرى تكون مسرحاً لحواسهم وأعضائهم فالطفل يتخذ من الألعاب ما يدعو إلى الركض والوثب والصياح والفتيان والكهول يلهون بإجهاد عقولهم في اللعب بالورق والشطرنج والفتيات والزوجات اللاتي لا ولد لهن يقتنين الكلاب والقطط لسد فراغ قلوبهن.

يغتبط الإنسان بالعمل وتزداد غبطته إذا وفق إلى الفوز والنجاح. فما أعظم السرور لذي يجده المرء وهو يحاول حل إحدى المعضلات وشعوره بأنه سائر في الطريق القويم يتخطى العقبات ويزيل الشبهات ويستضيء بنور الحقيقة التي أخذت في الإشراق إزاء عينيه ومن أسعد حالاً وأنعم بالأمن من عاشق التقى بمعشوقه يبث إليه وجده وشوقه فيجيبه هذا بالتودد له والعطف عليه ومن جاهد في الحياة وغالب العقبات والصعوبات ونال منها مأربه أحس بالغبطة والسرور فما السرور مقترن بالعمل وإن كان غير داخل في كيانه وأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015