الحية الحساسة اقتناص اللذائذ والابتعاد عن الآلام وهذا خطأ بين فما للذة والآلم إلا وسيلتان يستعين بهما المرء كما يستعين بهما الحيوان لبلوغ أغراضه الحقيقية وسبب هذا الخطأ ألتباس الإحساس الجثماني بالشعور النفساني على كثيرين من الناس وعدم إدراك أي فارق بينهما.

إنا لا نرى أصح ولا أدق من الرأي القائل بأن حكمة الألم واللذة تسهيل العمل على أعضاء الجسم للقيام بواجبها أحسن قيام.

ينشأ الألم من فساد إحدى الأجهزة الحساسة أو عن هيجان شديد لا يصبر له والخوف من الألم هو الذي يحمل الحيوان والإنسان على الابتعاد عن العوامل المتلفة وفي أكثر الأحايين لا يكاد الألم يحدث حتى يزول بحدوث حركة مخصوصة فمثلاً ذا أحس الإنسان باحتراق يديه أسرع إلى قبضها وإذا شم رائحة مكروهة حبس أنفاسه. ويغمض عينيه أمام باهر الضوء.

يستعين الحيوان بحاستي الذوق والشم على اختيار غذائه والتفريق بين النافع له والضار فتراه يشتهي النافع ويلتذ بطعمه ورائحته أما الضار فيعافه ولا يقبل رائحته ولا يطيق ذوقه وكذا يفعل الإنسان غير أنه كثيراً ما يرى الإنسان يتجرع السم على حين يصدف عن العقاقير النافعة الصحية ويتألم من تناولها وسبب ذلك أن السموم والعقاقير مواد صناعية ليست بطبيعية ولم يمض عليها زمن كاف لتطور حواس الإنسان حتى تصبح قادرة على نقدها ومعرفة النافع منها والضار ولو أحاطت الكحول بنا كماء الينابيع والأنهار أو كثمر الأشجار وغلات الأرض لفني النوع الإنساني من شربها وانقطع دابره من الأرض فإنها سم قاتل. أو لكانت طبيعة أجسامنا مخالفة لما هي عليه الآن وقادرة على هضمها والإنتفاع بها أو لطبعنا على كراهتها والنفور منها وكم في العصر الحاضر من أمم وأفراد على أبواب الفناء لتفشي شرب الخمرة فيهم إلا أن الطبيعة لا تبقي على غير الصالح القوي والإنسان ذو عقل وإرادة قد يمنعه عقله من تجرع سموم الكحول كما قد يمنعه منها عيافه عنها وكراهته لها ولا يبقى في الوجود إلا رجلان أحدهما مجبول بطبيعته على شرب المسكرات. إن المدمن مهدد في شخصه ونسله؟ تنتابه الأمراض والأسقام، ويقضي عليه بالموت العاجل وأبناؤه يولدون ضعافاً مرضى معرضين لقبول الأمراض فإذا لم يكن العقل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015