لم يكن متوقعاً من المجلس الوطني الفلسطيني أن يتخذ قرارات أفضل مما
اتخذه في مؤتمره الأخير في الجزائر. لأن كل الحوادث السابقة وكل المخططات
التي هيئت ونفذت خلال العقود الأخيرة كانت تعد لمثل هذا العمل ولمثل هذا الهوان، بداء من ممارسات منظمة التحرير التي كانت تقدم كل يوم تنازلات جديدة وانتهاء
بحرب الخليج التي أوصلت الأمة إلى أضعف حالاتها.
وقد عبر هاني الحسن أحد مستشاري عرفات عن هذا حين قال: (أستطيع أن
أقول لكم بدون خوف من المنصب بأن هؤلاء الذين يشكلون قيادة التيار الرئيسي في
منظمة التحرير كانوا منهمكين في الجزء الأكبر من السنوات العشرين الماضية في
صراع حياة أو موت لتحضير الأرضية من جانبنا للوصول إلى حل سياسي عن
طريق التفاوض مع إسرائيل) [1]
لقد فوض المجلس منظمة التحرير (العمل للمشاركة في التسوية على أن يتم
إقرار الخطوات بشكل نهائي من قبل المجلس المركزي) وكأنه لم يبق للمجلس ولا
للمنظمة شيء فكان هذا القرار، وكانت رحلة العذاب والمعاناة التي صبت فوق
رؤوس الشعب الفلسطيني مقدمة لوصوله إلى حالة من العجز أو اليأس ومن ثم
الرضوخ لأي مطلب، والحصول على أقل ما يمكن.
ونحن عندما نكتب عن قرارات المجلس الفلسطيني فإننا نتفهم معاناة
الفلسطينيين والواقع الأليم الذي وصلوا إليه، ونتفهم المرارة التي يذوقها الشعب في
الداخل، والوضع الاقتصادي المنهار، ونتفهم قضية الترحيل ووثائق السفر، كل
هذا في الحسبان مما يسمونه الواقعية السياسية. ومع ذلك فكلمة (لا) في وجه
الإذلال والطغيان الإسرائيلي أفضل من كلمة (نعم) . قد يقال: يجب أن نكون
واقعيين ونلحق بالقطار قبل فوات الأوان. وقد يقال: إن الذين يقولون (لا) لا
يملكون البديل المطلوب، ولكن هل الذين يرضخون في كل يوم رضوخاً أكبر من
سابقه؛ سيأخذون شيئاً يستحق هذا الرضوخ، وهل سيعطون الحد الأدنى من
المطالب؟ وبماذا سيرجعون من هذا المؤتمر؟ !
إن المشروع الأمريكي يقول: (الجلسة الافتتاحية تستغرق يومين فقط، ثم
تجتمع اللجان الثنائية) (المؤتمر يعود للانعقاد باتفاق الجميع) فإذا رفضت إسرائيل
العودة فلها الحق في ذلك، وتكون في هذه الأثناء قد قضمت أكثر الضفة الغربية
وزرعت العمارات فيها هنا وهناك للقادمين من روسيا.
وعبارة الأرض مقابل السلام تفهمها إسرائيل أنه يتعين على العرب أن
يعطوها الأرض مقابل السلام. فهي تمتلك قنابل نووية كما ذكر تقرير مؤسسة
(كارنجي للسلام الدولي) : (وينتج مفاعل ديمونا كميات كافية لتصنيع قنبلة ذات قوة
تدميرية مثل التي ألقيت على هيروشيما ومن المرجح أن يكون الأمريكيون قد بنوا
مفاعلاً آخر إلى جانب المفاعل الفرنسي ينتج خمسة أضعاف الكمية الأولى) . [2]
ونحن لسنا من الذين يحبون المعارضة للمعارضة، أو من الذين يجارون
ويداهنون التيار الشعبي ولو كان ضد قناعاتهم، فهذه قضية المسلم الأولى، ويجب
أن نتعامل معها من موقف مبدئي عقائدي.