مراجعات في عالم الكتب
كتاب دراسات في أصول المداينات
وكتاب دراسات فقهية
تأليف: أ. د. نزيه حماد
مراجعة: عثمان جمعة ضميرية
على كثرة ما تدفع المطابع من الكتب والمطبوعات، قد لا تجد في المائة كتاباً
جديراً بالعناية والدراسة، فإذا وقعت على دراسة دقيقة عميقة موثقة في أي فرع من
فروع العلم، فأنت إذن تقبض على كنز ثمين، ينبغي أن لا تفرِّط فيه.
أقول هذا، وقد فرغت من قراءة كتابين جديدين من منشورات دار الفاروق -
الطائف وتأليف الأستاذ الدكتور نزيه حماد، أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في كلية
الشريعة جامعة أم القرى، وهو المعروف بين إخوانه وطلابه بمحاضراته الجامعية
وبحوثه العلمية التي تتسم بالعمق والجدية، فهو لا يرضى بالسهولة والسطحية في
البحث، أو الخطف في الكتابة والتحقيق، وكتبه المحققة والمؤلفة، وإشرافه على
الرسائل الجامعية، ومناقشاته، وبحوثه المقدمة للمؤتمرات والمجامع الفقهية، فيها
الدليل الصادق لمن أراد.
الكتاب الأول: دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي
وهو مجموعة دراسات فقهية مقارنة في موضوع المداينات في التشريع
الإسلامي، كان قد ألقى أصولها محاضرات على طلبة قسم القضاء بكلية الشريعة،
عندما عهد إليه بتدريس مادة (الدَّيْن وطرق ثبوته) ، ونشر جُل مباحثها في بعض
المجلات العلمية والنشرات الجامعية؛ مما يحصر الإفادة منها بفئة من الباحثين
والقُراء فكان من الخير أن تُجمع في كتاب، منظومة في عقد واحد، نظراً للوحدة
الموضوعية التي تؤلف مباحثها وتجمع بين مسائلها وجزئياتها، وبعد أن أعمل فيها
يد التحرير والتنقيح، وأضاف إليها إضافات علمية ذات أهمية.
ويضم الكتاب بين دفتيه ستة بحوث:
البحث الأول:
حقيقة الدين وأسباب ثبوته، تناول فيه الكلام بالتفصيل عن حقيقة الدين في اللغة والاصطلاح الفقهي، وحقيقة الذمة، نظراً لارتكاز فكرة الدين على فكرة
الذمة وارتباطها بها، ثم بين أسباب ثبوت الدين في الذمة.
البحث الثاني:
توثيق الدين في الفقه الإسلامي وهي دراسة من أهم الأمور المتعلقة بمداينات الناس وعقودهم التي تتضمن ثبوت الدين في ذمة أحد المتعاقدين أو تسببه؛ لأن غرض الشرع ومقصده أن يحفظ لصاحب الدين حقه بأن يمكنه من بلوغه والحصول عليه، وأن يدفع عنه مفسدة هلاكه أو جحوده، أو العجز عن إثباته واستيفائه.
البحث الثالث:
التصرف في الدين في الفقه الإسلامي؛ فدرسها دراسة مقارنة، فهي من أهم موضوعات المعاملات المالية، وأكثرها عمقاً ودقة وشمولاً، بل إن مباحثها ومسائلها تعتبر بمنزلة العصب الساري في هيكل العقود والمعاملات. ومما يزيدها أهمية وشأناً أن كثيراً من صور التعامل المالي المعاصر - كالتحويلات المصرفية، والبريدية، والكمبيالات، والسحب على الحساب الجاري.. - إنما يرتكز تخريجها الفقهي، وتبنِّي أحكامها على أساس فروع وقواعد التصرف في الدين.
البحث الرابع:
تغيُّر النقود وأثره على الديون؛ وهذا البحث يعالج مشكلة اقتصادية عاصرة تمس الفرد والجماعة في أغلب دول العالم اليوم وهي مشكلة التضخم وما يرافقه من تأثير على النقود، كما أن التأثير قد يكون ناتجاً عن تخفيض دولة ما عملتها النقدية أو قد تلغيها وتستبدلها بغيرها.. فلذلك من الأهمية بمكان دراسة ما يتصل بالمعاملات المالية عند تغير أحوال النقد وأثر ذلك على الديون في الذمم أياً كان سببها ومنشؤها.
وهذا الجانب لم يغفله علماؤنا - رحمهم الله - وكان لهم نظرات مهمة جديرة
بالعناية، وقد جاء هذا البحث ليبين ذلك، فيدرس تغييرات النقود الذهبية والفضية، والنقود الاصطلاحية، وفي هذه الأخيرة فرَّق بين خمس حالات وهي: الكساد
العام للنقد، والكساد الإقليمي للنقد، وانقطاع النقد، وغلاء النقد ورِخصه. وحكم
كل حال من هذه الحالات، ثم يبحث حالة التضخم والانكماش.
البحث الخامس:
بيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين) ، وحظْر بيع الكالئ بالكالئ من أبرز الأصول الشرعية في المعاملات، فكان لابد من تحرير القول فيه، وضبط معاقده وبيان أحكامه.
والبحث الأخير:
المؤيدات الشرعية لحمل المدين المماطل على الوفاء، وبطلان الحكم بالتعويض المالي عن ضرر المماطلة.
فقد ذهب الأستاذ مصطفى الزرقا في مقال له بمجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي
بجدة عام 1405 هـ إلى أنه يجوز الحكم على المدين المليء المماطل بتعويض
مالي يدفعه للدائن مقابل ما فوَّته عليه من منافع بسبب تأخير الوفاء.
ونظراً لبطلان هذا الرأي شرعاً، لضعف الأساس الذي ارتكز عليه، وفساد
الاجتهاد الذي نحا إليه، فقد جاء هذا البحث لتفنيد تلك المقولة وبيان أوجه الغلط
فيها لئلا يغتر بها أحد، مع بيان العلاج الشرعي الصحيح للمماطلة، والتعريف
بالمؤيدات الشرعية لحمل المدين المماطل على الوفاء بدينه.
* * * ...
أما الكتاب الثاني: دراسات فقهية
وهي مجموعة فقهية منهجية في موضوعات متنوعة تكمل الكتاب الأول،
وتضيف جوانب أخرى، قد لا يجمعها مع سابقتها وحدة موضوعية، ولكنها تناقش
قضايا فقهية مهمة، وانتظم الكتاب ستة بحوث وهي: الصلح في الأموال، اللُّقطة
في البلد الحرام، الوعد، القبض الحقيقي والحكمي للأموال، الهجرة، القنوت.
والكتابان دراسة فقهية مقارنة دقيقة للمسائل، تقوم على منهج علمي دقيق،
يحرر فيه المسألة ومحل الوفاق والخلاف، من خلال عرض المذاهب الفقهية
والاستدلال لها، مع المناقشة والترجيح، وقد يترك للقارئ من خلال العرض يختار
ما يراه أقوى ومتفقاً مع الدليل ومقاصد الشريعة.
ونلحظ الدقة في عزو الآراء، وتوثيقها بشكل دقيق أمين، وفي خاتمة كل
بحث بيان بمراجعه ومصادره، وهي طريقة تربي في طالب العلم الملكة الفقهية،
وتعوده على البحث الدقيق في الدراسات الإسلامية الفقهية.
وللمؤلف خالص الدعوات، و (للبيان) خالص الشكر والثناء أن فسحت.