يقول الله - عز وجل - في كتابه الكريم: [إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ] ...
[الحجرات: 10] ومن منطلق هذه الإخوة الإيمانية فإنه يسوءنا ويسوء كل مسلم أن يزج بالأعداد الكبيرة من المسلمين في المعتقلات ويعتدي على حقهم في الحرية والتعبير عما يؤمنون به، وتكال لهم التهم من كل جانب ولا يسمح لهم أن يدافعوا عن أنفسهم علناً كما يُشتمون ويُتهمون علناً.
لقد تكررت المحن ضد العاملين للإسلام في العصر الحديث، وكادت تصبح
عملاً روتينياً من أعمال الذين يطاردونهم، يتعسفون في استعمال السلطة التي
يتمتعون بها. حتى أصبحت صنوف المحن التي تجري على أيدي خصوم العاملين
في الصف الإسلامي لا تثير أحداً، ولا تحرك شعوراً، وكثير من المسلمين
المخلصين أصبح يستمرئ هذا الروتين ويتقبله بسلبية وتسليم يساء تطبيقه وتفسيره. فأن يصبر المسلم على قدر الله شيء وأن يرضى بالدُّون والهوان يصب على
رأسه وعلى رأس مَن يشاركه في العقيدة شيء آخر.
وإننا من خلال متابعة الأحداث وتطورها في الجزائر لاحظنا بقلوب يملؤها
الأسى كيف تُجر (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) جراً إلى ما آل إليه أمرها، وكيف
تجتمع خيوط الخطة في الداخل والخارج لتشكل مسار الأحداث التي أفضت إلى
اعتقال قادتها ومئات بل آلاف من أنصارها.
إن هذا الأسلوب في دفع الأحداث، وهذا النوع من (الديمقراطية) يجعل
المراقب الحيادي يعجب من جرأة أصحاب الفكر الأحادي على اختلاق التهم، ولا
يثق - من جهة أخرى - بأي وعد يقطعه مثل هؤلاء للناس بالعيش الكريم في ظل
سلطة تحترم الرأي المخالف وتحنو على المعارضين مثل حنوّها على الموافقين.
إن المسلمين يستحقون أن يعيشوا كبشر، وأن يتمتعوا بما يتميز به البشر،
أعني حرية الرأي وأن يكون لهم رأي فيمن يحكمهم وفي الأسلوب الذي يحكمون به. وهذه أول ضمانة وأهم ضمانة لمخلوقات يطلب منها أن تبني أوطاناً وتساهم في
الحضارة، وإذا لم تتوفر هذه الضمانة لأي شعب فاقرأ عليه وعلى بلاده ومَن
يحكمونها السلام.
لم تكن المحنة التي حلت بالجبهة الإسلامية للإنقاذ مفاجئة لمن يراقب الأمور
بعمق ولمن يقرأ التاريخ بعقل واعٍ، بل كانت المفاجأة التصريح بادئ ذي بدء
للجبهة بالعمل السياسي العلني، وقد أصابت هذه المفاجأة العاملين في حقل الدعوة
الإسلامية وخصومهم على السواء.
أما العاملون في حقل الدعوة الإسلامية فعندهم من قراءاتهم واطلاعهم
وتجاربهم ما يجعلهم لا يغيرون قناعاتهم أن (سعداً أخو سُعيد) فما عدا مما بدا؟ !
لابد أن في الأمر شيئاً وهذا الأمر لا يتم، وستعلمنَّ نبأه بعد حين.
وأما خصوم الدعوة الإسلامية فهم أيضاً وقعوا بين الشك واليقين، فمنهم غير
المصدق لما يسمع: الجزائر، ذات التاريخ النضالي العريق! بلد (جميلة بو حريد)
وجبهة التحرير و (بن بِلَّة) و (بو مدين) ، والنضال ضد وضد..، ومعلمة التقدمية ... (تخرج عن مدارها) وتزري بها الأيام حتى تسمح لهؤلاء الظلاميين بالحركة وفتح الفم؟ ! يا ويلاه! إنها لإحدى الكُبَر!
ومنهم من رأى أن الأمر جد، ولا وقت للبكاء وفغر الفم، فلنعمل على إنقاذ
ما يمكن إنقاذه، متعلقين ببارقة أمل وهي أى المعقل الأخير لم يخرج من اليد بعد،
ومراهنين على سلبيات الإسلاميين من جهة، وعلى أسلوب (بطرس الراهب) في
الاستنفار والتهويل في الدوائر الغربية.
وهكذا كان ... عاد الكوكب إلى مداره، وعادت الجزائر إلى حظيرة أخواتها! والآن - بعد هذا العرض الذي قدم فيه كل طرف ما يحسنه - فقد وصل المسلمون
إلى منعطف يجب أن يتساءلوا فيما بينهم ويسألوا أنفسهم عما ينبغي فعله.
على العاملين في صفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ وغيرهم ممن يشاركونهم
المبادئ والأهداف أن لا يتركوا للمفاجأة وقسوة المحنة أن تثنيهم عما يريدون، فلابد
من التحضير لمثل هذه الأوقات وذلك بإظهار التصميم والإصرار يقابل الإصرار
من الطرف المقابل على التصفية، وإشعاره أن القضية ليست قضية بضعة أفراد
مشاغبين أخلّوا بالأمن، فتصرف معهم أهل القانون بما أعاد الأمن إلى نصابه، لا، إن القضية هي قضية تيار كاسح له الحق الشرعي و (الوطني) أن يكون ممثلاً
أصدق تمثيل في المشاركة في بحث مشاكل وطنه:
* التركيز - وبوضوح لا غموض فيه - على نبذ الإرهاب واستخدام السلاح
واللجوء إلى العنف، (وهذا ما كانت تؤكد عليه الجبهة الإسلامية للإنقاذ) .
* التأكيد على مطلب حرية التعبير الذي هو حق لكل إنسان كرمه الله.
* وعلى حرية أن يتمسك المسلم بعقيدته، وأن يرجع إلى مَن يوثق به في
تفسيرها وتوضيحها لا مَن تشتريه الدول ليكون لساناً لها يشوه العقيدة ويضلل الناس.
إن وثيقة حقوق الإنسان ضمنت هذا الحق لكل العقائد الفاسد منها وغير الفاسد. والمسلمون يجب أن يؤكدوا على حقهم في هذا المجال، ويطلبون من خصومهم
الوقوف عنده، لا أكثر من ذلك.
* وعلى حقهم في المشاركة السياسية، دون وصاية أو خضوع، فهم ليسوا
طارئين على هذا المجتمع، كما أنهم ليسوا (حركيين) ، وحقهم هذا لا يقبل
التشكيك أو المساومة.
وليعلم المسلم أنه مبتلى، وأن حياته سلسلة من الابتلاءات والمواجهات، هذا
ما تقتضيه سنة الله في الصراع الدائم والمدافعة المستمرة بين الحق وبين الباطل،
[ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ولَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى
العَالَمِينَ] [البقرة: 251] .