مجله البيان (صفحة 909)

عقيدة

من لهذه الوثنية المتعددة؟

الشيخ/ إسماعيل بن سعد بن عتيق

(من المعلوم من الدين بالضرورة: أن تحقيق كلمة التوحيد لا يتم بمجرد ... الإيمان بالله.. بل لابد مع ذلك من الكفر بالطواغيت والتبرؤ منها.. ...

وهذا المقال يعالج جانباً مما يقع فيه كثير من المسلمين اليوم، مما يناقض هذه البديهية.. و (البيان) وهي تفسح المجال للكشف عن هذا الجانب انطلاقاً من منهجها لتتطلع إلى علماء هذه الأمة، ومن نفس المنطلق أن يكشفوا زيف الطواغيت الأخرى التي غرق الناس في عبادتها.. كمن يشرع ويحكم بخلاف حكم الله ويطيعه الناس في ذلك.. وكمن يحلل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، وكالأهواء والأفكار التي سادت أذهان الناس واتخذوها موجهاً ودليلاً لتصوراتهم في الكون والحياة والإنسان.. والحسن والقبيح، والحلال والحرام.. وغير ذلك من أمثال هذه القضايا الخطيرة التي تهز العقيدة من أساسها) .

- البيان -

كتب الله لي أن أزور كثيراً من عواصم العالم الإسلامي، ورأيت في كل

صقع من أصقاعه من يتهافت على تلك الأوثان حباً وتعظيماً وخشيةً وإنابة وتضرعاً

وافتقاراً، ولا حرج في التمثيل وذكر بعض أمثلة لتلك الدول التي تبنت الإسلام

شعاراً لا عقيدة، ومع الأسف فهي محسوبة على الإسلام! ! والله المستعان.

وأترك أسماء المدن لفطنة القارئ ليستنتج مواقع هذه الأوثان ومواطنها.

1- قبر مزعوم للحسين، يحج له الناس ويتقربون إليه بالنذر والقربات،

وتجاوز ذلك إلى الطواف به والاستشفاء، وطلب قضاء الحاجات عند الملمات.

2- السيد البدوي، له مواسم في السنة أشبه بالحج الأكبر، يقصده الناس من

خارج البلاد وداخلها، وسُنة وشيعة، وهذان نموذجان في دولة واحدة من أقدم

الدول العربية والإسلامية في التعليم النظامي، وفيها أكبر مؤسسة تعليمية نظامية

منذ القرن الثالث الهجري، والتي كان لدعاتها وعلمائها الأثر الطيب في نشر

الإسلام والدعوة إليه، ولكن كما قيل:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... الماء فوق ظهورها محمول

3- جلال الدين الرومي الذي كتب على قبره ومزاره: صالح للأديان الثلاثة، المسلمين واليهود والنصارى، ويدعى هذا الوثن بالقطب الأعظم، وفعلاً كان

قطباً تدور عليه أفلاك أرباب المصالح الدنيوية طلاب الشرف باسم الدين المزور،

وقد لقي كل تشجيع وتقديس من الأيدي الخفية لإبقاء شعلة الوثنية وقَّادة في العالم

الإسلامي، فقبر جلال الدين الرومي في دولة ضمت الإسلام ثمانية قرون على أيدي

السلاطين المسلمين، ليسوا بالعرب ولا العرب منهم، ولكنهم المسلمون الذين تنبأت

الرسالة المحمدية بظهورهم، فكان في ظهورهم دلالة من دلائل النبوة، وغير جلال

الدين الرومي كثير وكثير في هذه الدولة التي أضحت دولة علمانية تحارب كل ما

هو إسلامي، حتى أصبح الإسلام غريباً في بحور المادة.

4- محيي الدين بن عربي صاحب (فصوص الحكم) ، والمعتقد بوحدة

الوجود والحلول والاتحاد، وزعيم الفلاسفة القائلين بهذه البدعة المكفرة، أقول: إن

مزاره وثن يعبد ويقدس في عاصمة دولة كانت عاصمة الخلافة الأموية، ولا يزال

في أهلها الخير -إن شاء الله-، غير أن الفتنة بهذا الوثن تزداد يوماً بعد يوم،

وقفت على باب القبة لأرى وأعتبر، وكنت أحمل حذاءً في يدي؛ فأنكروا عليَّ

بالإجماع: كيف تقرب من المقام وفي يدك حذاؤك، احتراماً وتقديساً للولي؟ ! إنها لعبرة وعظة لأهل التوحيد والإيمان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

5- (داتا) صاحب (مقبرة علي هجويري) في المشرق الإسلامي، ينتابها

الزوار في كل صباح ومساء، ومن عجيب ما شاهدتُه: أن له يوماً في العام تراق

عليه الألبان حتى لا نجد في الأسواق لبناً يباع ويُشترى، وله يوم في العام يغسل

بماء الورد والطيب أسوة بالكعبة المشرفة، يتشرف بتغسيله الساسة والقادة في البلاد، وليتك ترى ما يصنع حول هذه المقبرة من منكرات أخلاقية، فضلاً عن العقيدية،

وحولها الرقص والدف والاختلاط، والتبرك بسدنة هذه المقبرة، يُفعل ما لا يجوز

ذكره، وفي هذه الدولة حزب سياسي يزعم أنه إسلامي قد فتح باب الخرافة والبدع

على مصراعيه، ويحكى: أن وزير أوقاف هذه الدولة شكى لرئيس الدولة عجز

الميزانية في وزارته؛ فاتفق الرأي على إيجاد باب الجنة يتفتح دخوله الأعيان

والرؤساء، ثم تباع التذاكر للسواد الأعظم من جهلة المسلمين على أن من دخل هذا

الباب فقد دخل الجنة، وبهذا زال العجز المالي بفضل هذه التذاكر وصكوك الغفران!

ولعل القارئ يتساءل كيف يحصل هذا في دولة نالت استقلالها لتقيم حكم الشريعة في دولة إسلامية مثالية في المشرق الإسلامي؟ كيف يحصل هذا في دولة

ضحت بالكثير في سبيل الاستقلال ومحاولة تطبيق الشريعة الإسلامية؟ ولا أكون

مبالغاً إذا قلتُ: إن نسبة أهل البدع والخرافة تزيد على (80%) ما بين متصوف

وقبوري وأصحاب نحل تنتمي إلى الإسلام كالقاديانية والبهائية والإسماعيلية الباطنية، أمَّا وثنية القبور فكثيرة، ومنها مدينة تعرف بمدينة القبور والتمور والفقر

والإفلاس، أعاذنا الله وإياكم من خسارة الدين والدنيا، ولا أريد أن أستطرد، فهذا

مثال للعبرة والفطنة لنقول: من لهذه الأوثان المتعددة؟ ثم انتقل بك إلى قطاع آخر

في عالمنا الإسلامي.

6- مقبرة أحمد التيجاني، زعيم طائفته، ورائد التضليل، الذي شرع للناس

بمشورة الفرنسيين الطريقة المنسوبة إليه، والقائل: إن جوهرة الكمال أفضل من

القرآن الكريم سبعمائة مرة، وكذا صلاة الفاتح، وهما وردان ترددهما الطائفة

التيجانية صباحاً مساءً، ويكتفون بقرائتهما وتلاوتهما عن القرآن الكريم. مقبرة

زعيمهم أحمد التيجاني وثنٌ يُعبد من دون الله، ويحج له الناس تعبداً لنيل البركات.

7- مقبرة عثمان فيدو الذي صمم على قبره بناية أشبه بالكعبة وكسيت

بالحرير الأسود، وحينما سئل أحد أحفاد هذا المصلح؛ قال: وضعت هذا أسوة

بقبر أحمد التيجاني، ومع أن الإمام عثمان فيدو كان ممن أقام به الله الدين، وتبنى

دعوة الإصلاح أشبه بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلا أن طريقته قادرية،

ثم تحول أتباعه إلى الطريقة التيجانية..

وبعد؛ فهذه سبعة نماذج من المشرق الإسلامي ومغربه وأوسطه، تعطي أمثلة

من اتجاه العالم الإسلامي وعقيدة الإسلام الصحيحة، ولا ننكر أن هناك منظمات

وجمعيات وأحزاباً، كلها تدعو إلى الإسلام، ولكن أي إسلام هو؟ اتجهت طائفة

إلى محاولة إيجاد الدولة الإسلامية لتنفيذ التشريع والأحكام، وكانت أخرى تتبنى

السلوكيات والتعبد من غير دخول في السياسة ولا شعابها الملتوية، وهاتان

الطائفتان فشلتا في تطبيق شمولية الإسلام والإيمان بقاعدته -التوحيد -، والعالم

ينتظر منطلقَ الدعوة المحمدية المبنية على توحيد الله وطاعته واتباع رسوله -

صلى الله عليه وسلم - في كل دق وجل. والدولةَ الإسلامية المنفذة لأحكام الله

وشرعه على أساس من التوحيد والتصديق والتجرد من كل شائبة بدعة أو شرك.

أقول مرة أخرى: من لهذه الوثنية المتعددة؟ ونرجو أن يكون هذا المقال

فاتحة خير ونافذة أمل في العمل على إبطال الوثنية في العالم كله، والله من وراء

القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015